واشنطن: «الشرق الأوسط» في الأسبوع الماضي، توصلت دراسة، أجريت بناء على تكليف من الرئيس باراك أوباما، إلى أن نشاطات وكالة الأمن القومي الاستخباراتية قد انتهكت إلى حد بعيد الحياة الخاصة للأميركيين. وقد تضمنت الدراسة، التي جاءت بعد الكثير من التحقيقات الصحافية التي كشفت ممارسات الوكالة غير المشروعة في مجال التجسس والمراقبة، الكثير من التوصيات المتعلقة بإجراء إصلاحات من شأنها الحد من الامتيازات الممنوحة للوكالة. وقد قال الرئيس أوباما بأنه «مستعد لمناقشة الكثير» من تلك الاقتراحات. وقد كان السبب وراء إجراء تلك الدراسة هو نوعية التحقيقات الإخبارية التي غالبا ما يقوم بإنتاجها برنامج «60 دقيقة»، الذي يعتبر المصدر الرئيس في الولايات المتحدة للأخبار التلفزيونية الجادة. وعلى مدى أكثر من أربعة عقود، كشف البرنامج الكثير من الخروقات التي ارتكبتها وكالة الاستخبارات المركزية «سي آي إيه»، كما فضح الكثير من المتعاقدين العسكريين المارقين، بالإضافة إلى مئات الجهات ذات الأهداف الشريرة. لكن السؤال: ما هي علاقة برنامج «60 دقيقة» بالدراسة التي أجريت عن وكالة الأمن القومي؟ في يوم الأحد الذي سبق الدراسة التي تدين الوكالة، قام البرنامج بإنتاج فقرة قال البعض عنها بأنها تبدو كما لو كانت إعلانا ترويجيا لكسب ود الوكالة. وقد تضمنت الفقرة، التي قام بعملها جون ميللر، المراسل الصحافي لقناة سي بي إس (CBS)، لقاءات مكثفة مع الجنرال كيث الكسندر، مدير وكالة الأمن القومي. وفي أحد المشاهد التي تبدو معبرة عما يدور في الفقرة بشكل عام، يقوم معدو البرنامج بالتفاوض من أجل دخول «الغرفة السوداء»، وهي غرفة غاية في السرية حيث تجري فيها أكثر أعمال فك الشفرات سرية في الولايات المتحدة الأميركية. وخلال ذلك المشهد، يفتح الباب قليلا لنرى غرفة هادئة مثل أي غرفة أخرى، ثم يغلق الباب مرة أخرى. وقد وفر لنا ذلك المشهد فرصة رؤية «الغرفة السوداء» من الداخل، غير أننا، في الوقت ذاته، لم يتسن لنا أن نفهم شيئا. وتأتي الفقرة عن وكالة الأمن القومي في أعقاب التقرير الذي أجراه البرنامج عن هجمات بنغازي، التي راح ضحيتها السفير الأميركي، والذي ظهر الآن عدم مصداقيته بسبب ما قال «60 دقيقة» بأن شاهد العيان أعطى شهادة بعيدة كل البعد عن الحقيقة. غير أن تلك الفقرة ترسم الكثير من علامات الاستفهام عما إذا كان البرنامج قد فقد، ولو مؤقتا، سحره وبريقه، بل أيضا فقد حاسة الشك في صحة ما يعرض عليه من تقارير صحافية. ولم تفلح تلك الفقرة في تحسين صورة الوكالة، ففي اليوم التالي لإذاعة الفقرة أصدر قاض فيدرالي حكما بعدم دستورية برنامج الوكالة لجمع التسجيلات الهاتفية. وفي الفترة بين تقرير بنغازي وفقرة وكالة الأمن القومي، تعرض أداء برنامج «60 دقيقة» للكثير من النقد بسبب سماحه لشركة «أمازون» بالترويج لبرنامج عن خدمات التوصيل بواسطة الطائرة من دون طيار والذي يبدو بعيدا كل البعد عن الواقع، إذا لم يكن قد حدث بالأساس. وقد شكل برنامج «أمازون» نظرة خيالية لمستقبل الخدمات التجارية، رغم أن «تشارلي روز»، الصحافي الذي يعمل لحساب «60 دقيقة»، سأل جيف بيزوس، مؤسس والرئيس التنفيذي لـ«أمازون»، بعض الأسئلة الحادة مثل: هل كان تقديم خدمات الطائرة من دون طيار لصالح وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) سببا في إشعال صراع من نوع ما؟ وهل كان سعي «أمازون» الحثيث للاستحواذ على حصة أكبر من السوق هدفا عادلا؟ دعونا نفترض أن برنامج «60 دقيقة» كان وسيظل كنزا مهما في مجال التحقيقات الصحافية والإخبارية، والتي كان من بينها في عام 2013 تحقيق عن الممارسات السيئة للوكالات التي تقوم بعمل تقارير الائتمان، وتحقيق عن ارتفاع معدل الانتحار وسط الجنود العائدين من الحروب، وكذلك تحقيق عن كيف أدت بعض طرق العلاج الملوثة إلى حدوث إصابات بالتهاب السحايا الدمغاية والذي أدى بدوره إلى وفاة عشرات الأشخاص ومرض مئات آخرين. كما نجح «روز» في إجراء لقاء مع الرئيس السوري بشار الأسد عن الأسلحة الكيماوية. وفي الوقت الذي يغيب عن كثير من البرامج والجهات الصحافية الفارق بين تعريف الخبر وكيفية إنتاج ذلك الخبر، يبقى أداء برنامج «60 دقيقة» بعيدا عن الوقوع في مثل ذلك الخطأ. وعلى مدار تاريخه، ظل انتشار خبر عن أن طاقم عمل برنامج «60 دقيقة» قد دخل إلى ردهات مكان ما أو أن أحد العاملين به ينتظر على الهاتف يقذف الرعب في قلوب الجميع، سواء كانوا شرفاء أو غير شرفاء. وكان البرنامج دائما ما يسبب قلقا شديدا لضيوفه أو الجهات موضوع تحقيقاته، كما كان يخلق جوا من التشويق عند جمهوره، حيث كان يقدم عملا صعبا ومدهشا في الوقت ذاته يكشف عن نتائج محددة تستوجب المساءلة. غير أنه وخلال الأشهر القليلة الماضية، حدثت بعض الأخطاء الفادحة مثل الوقوع فريسة سهلة لسرعة التصديق عندما كان صحافيو البرنامج يميلون «للشعور بالدهشة» أكثر من «محاولتهم البحث في مصداقية» ما يتلقونه من معلومات. وهذا ما جرد خبر وجود أحد العاملين ببرنامج «60 دقيقة» على هاتف أحد المسؤولين من مهابته المعتادة.