أصداء إيجابية حملتها تصريحات المهندس علي النعيمي وزير البترول والثروة المعدنية في الولايات المتحدة، ما أدى إلى تخفيف حدة التوتر في السوق نسبيا بعدما أكد الوزير أن الرياض لا تحارب النفط الصخري وأن بقاء الإنتاج مرتفعا رد فعل طبيعي للحفاظ على الأسواق ومواجهة المنافسة، مجدداً ثقته باستعادة السوق توازنها تلقائيا بفعل نمو الطلب في السنوات المقبلة وخروج المنتجين الأقل في الكفاءة. في المقابل، كشف الإيرانيون عن وجههم الحقيقى بعدما اتضح أن ترحيبهم باتفاق الدوحة كان مجرد نوع من التلاعب والمراوغة بعد مباحثات مكثفة جرت بين أربعة من كبار منتجي النفط في العالم واعتبره كثير من الأوساط المالية والاقتصادية خطوة مهمة نحو استقرار السوق. الإيرانيون لم يصمدوا كثيرا في تمثيلية الترحيب بالاتفاق، وظهرت نواياهم بمجرد رفض تحديد موقف واضح من الاتفاق، حيث اعتبر وزير النفط الإيراني أن "تجميد الإنتاج يعني أن الآخرين سيبقون عند إنتاج مرتفع عشرة ملايين برميل، ونبقى نحن عند مليون برميل يوميا فقط". وقادت هذه التصريحات المباشرة سوق النفط إلى تسجيل تراجعات حادة جديدة بعدما سادت قناعة كبيرة في الأسواق بصعوبة التوافق بين المنتجين خاصة داخل "أوبك"، وأن حالة تخمة المعروض ربما تتزايد على نحو واسع في الفترة المقبلة لتضعف السوق بشكل أكبر. ودعم تلك الانخفاضات بيانات عن ارتفاع قياسي جديد في مستوى المخزونات النفطية الأمريكية فيما يرجح استمرار مستويات الطلب العالمي ضعيفا في مقابل وفرة المعروض الناتجة عن زيادة المعروض واشتداد المنافسة على الحصص السوقية. وأوضح لـ "الاقتصادية"، لاديسلاف جانييك مدير شركة سلوفاكيا للنفط "سلفونفط"، أن الموقف الإيراني غريب ومفاجئ للسوق بعدما ذهب البعض إلى إمكانية إقناع طهران بالمشاركة في الاتفاق، والتساؤلات المثارة الآن حول أسباب عدم رفضها من البداية لاتفاق الدوحة. وأشار جانييك إلى تساؤلات أخرى حول موقف فنزويلا التي ترتب لعقد اجتماع موسع للمنتجين منتصف الشهر المقبل بدعم من السعودية وروسيا وسط توقعات بمشاركة أكثر من عشر دول داعمة لاتفاق الدوحة من "أوبك" وخارجها، وهل يعني موقف إيران إجهاضا لبرامج التعاون بين المنتجين؟ وطالب جانييك المنتجين بتجاهل الموقف الإيراني والاستمرار قدما في دعم برامج التعاون المشترك من أجل استعادة الاستقرار في السوق لأن البديل سيكون وخيما. وقال جانييك "إنه من الصعب حدوث إجماع كامل من المنتجين على اتفاق الدوحة أو أي اتفاق بشكل عام، لكن اتفاق الدوحة يضم بالفعل أكبر المنتجين ويمثلون بإنتاجهم قرابة 70 في المائة من الإنتاج العالمي، وهو ما يجعل فرص النجاح والاستمرارية كبيرة خاصة أن أزمات السوق وتداعياتها طالت كل المنتجين وكافة أطراف صناعة النفط". من جهته، أشار لـ "الاقتصادية"، الدكتور آمبرجيو فاسولي مدير مركز دراسات الطاقة في مدينة لوزان السويسرية، إلى أن تصريحات وزير البترول السعودي أكدت ثقة بلاده الشديدة بسياساتها النفطية وبقدرة السوق على استعادة زخمها تدريجيا، ولكنها في نفس الوقت بددت آمالا كانت قد بدأت تنتشر في السوق حول مبادرات لخفض الإنتاج وهو ما أسهم مع عوامل أخرى في عودة تراجع الأسعار. وأضاف فاسولي أن "توقعات قوية أصبحت تسود السوق حاليا بأن أسعارا أكثر انخفاضا قد تحدث، كما أن فترة ضعف مستوى الأسعار قد تكون أطول من المتوقع"، مشيرا إلى أن تداخل عديد من العوامل السلبية على السوق يجعل من الصعب تحديد قاع سعري للأسعار "لأننا شهدنا في الفترة الماضية تعافيا للأسعار في بداية 2015 ظنه البعض مسيرة قوية لتصحيح الأسعار، إلا أن النصف الثاني خالف التوقعات وحدثت انهيارات غير متوقعة في الأسعار". ويعتقد فاسولي أن الدورة الاقتصادية الحالية التي يمر بها النفط مختلفة عن الدورات السابقة، حيث لم يكن في الدورات السابقة هذه الطفرة الواسعة في الإنتاج وتعدد الموارد، "ومن الواضح أن هذه الدورة ستكون أطول والتعافي منها سيكون بطيئا ويقدره البعض بثلاث سنوات". إلى ذلك، أكد لـ "الاقتصادية"، إيفاليو ستويلوف المستشار الاقتصادي البلغاري في فيينا، أن استعادة السوق حيويتها وزخمها قادمة دون شك بفعل نمو الطلب، إلا أن الأمر ليس سريعا وسيقضي طول فترة انخفاض الأسعار على كثير من الشركات والاستثمارات خاصة منتجي النفط الصخري الذين لا يستطيعون الصمود حتى تعافي الأسعار. وأضاف ستويلوف أن "منتجي النفط التقليدي يستطيعون الصمود من خلال ضبط الإنفاق العام وترشيد الميزانيات كما يساعدهم انخفاض تكلفة الإنتاج، لكن الوضع مختلف في الولايات المتحدة، فهناك 40 شركة للطاقة أشهرت إفلاسها في 2015 وهناك أيضا 150 شركة أخرى على وشك الإفلاس، ولا أمل لها في التعافي في ظل استمرار انحدار الأسعار". ويرى ستويلوف أن صناعة النفط من الصناعات التي يحيط بمستقبلها غموض كبير وواسع إلى جانب استمرار التقلبات السعرية صعودا وهبوطا، وهي أمور يجب التسليم بها والتعامل معها بقدر كبير من المرونة والحذر. وأوضح ستويلوف أن مباحثات النعيمي مع منتجي النفط الصخري لأول مرة منذ حدوث أزمة انهيار الأسعار في 2014 خطوة جيدة نحو تعميق الحوار والتواصل بين المنتجين، ورغم أن السعودية أكدت مواقفها الثابتة في سوق النفط إلا أن نفي فكرة محارية النفط الصخري والتأكيد على التعاون بين المنتجين خطوة إيجابية وصحية لمصلحة السوق بشكل عام. من ناحية أخرى، انخفضت أسعار النفط أمس مواصلة موجة الهبوط الحاد التي بدأت في الجلسة السابقة بعد أن استبعدت السعودية أكبر مصدر للخام في العالم خفض الإنتاج وبعد أن أظهرت بيانات من القطاع زيادة مخزونات الولايات المتحدة من الخام. وبحسب "رويترز"، فقد بلغ سعر تداول الخام الأمريكي في العقود الآجلة 31.25 دولار للبرميل بانخفاض 1.95 في المائة عن سعر آخر تسوية، وهبطت العقود الآجلة لخام برنت نحو 1 في المائة إلى 32.90 دولار للبرميل. وهبط الخامان أكثر من 5 في المائة خلال تعاملات اليوم السابق. ونتج انخفاض أسعار الخام عن حالة الشد والجذب بين الدول الأعضاء في منظمة البلدان المصدرة للبترول "أوبك" بشأن تجميد مستويات الإنتاج أو تخفيضها ووضع نهاية لزيادة حجم الإنتاج عن الطلب التي أدت إلى هبوط أسعار الخام أكثر من 70 في المائة منذ منتصف 2014. وأظهرت بيانات معهد البترول الأمريكي أن مخزونات الخام ارتفعت بواقع 7.1 مليون برميل في الأسبوع الذي انتهى في 19 شباط (فبراير) إلى 506.2 مليون برميل بما يتجاوز بكثير التوقعات بارتفاعه بواقع 3.4 مليون برميل فقط.