×
محافظة المدينة المنورة

خادم الحرمين يدشن مشاريع تنموية للمدينة المنورة

صورة الخبر

عندما تعلو همةُ العبد يأتي كرم الله له، وقبل فترةٍ ليست بطويلة نال الشيخ الإجازة في القراءات العشر الكبرى على يد شيخ عموم المقارئ المصرية السابق الدكتور أحمد المعصراوي. هو الشيخ حسين خالد عشيش محبة القرآن الكريم ميزته وحجته، ولد بقرية كرناس احدى قرى مدينة حماة السورية عام 1950م، وفي الشهور الأولى فقدت عيناه النور تمامًا، وقد أكرم الله الشيخ حسين بحفظ كتابه قبل أن يبلغ العاشرة من عمره عندما أتمَّ الحفظ في سبعة شهور، وعلى خلاف بقية الحفاظ لم يعتمد الشيخ على مطالعة المصحف أثناء حفظه بل على السماع. إن كان الشيخ فاقدًا لبصره فإنه يتميز بما لا يتميز به مبصر من ذكاءٍ وتيسير لطلب العلم، بدأ ذلك من معلميه داخل سوريا وثم طلبه للعلم على يد الشيخ الألباني والشيخ عبدالله السبيع تلميذ الشيخ ابن باز -رحمه الله- والآن هو مستقرٌ في البحرين، ويتردد عليه جمعٌ من الطلبة المتقنين، ومنهم الشيخ أنس العمادي، والشيخ مصعب البوعركي والشيخ محمد عتيق. ] هل يتمنى الشيخ حسين عشيش عودة بصره؟ والله لم يحصل في يوم تمنيت فيه أن يرجع بصري، لأنه هو الحسنة الكبيرة التي أحاجُّ بها عند الله عزّ وجل. ] متى ودّع الشيخ حسين عشيش طفولته فعلًا؟ إن الطفولة قد وُدّعت من يوم أن تعلّق هذا الطفل بكتاب الله عزّ وجل، فإن كتاب الله سبحانه وتعالى يرفع الأطفال حتى يجعلهم أبطالًا . ] هلّا بحت لنا بشيءٍ من ذكرياتك مع شيخك؟ في أولى المرات التى التقيت فيها شيخي قلت له متحمسًا وفخورًا اني أحفظ القرآن الكريم كاملًا، فأشار لي الشيخ أن اقرأ، فهممت بالقراءة السريعة التي تعودناها في تسميع ما نحفظ -دون مراعاة الأحكام بدقة- فاستوقفني الشيخ وطلب عصاة، فسألته متعجبًا ولم العصاة؟ فقال: كي أعلّمك الأدب.. فسألته: كيف أقرأ؟ فاسترسل في تعليمي القراءة المجودة المتأنية عندما قرأ علي سورة الصافات، فقلت إني أُمِّي وأريد القراءة كما تقرأ وقد هزني الموقف هزًّا. وأذكر أيضًا شيخي الآخر عندما وصى في احدى المرات بإحصاء عدد الأخطاء عند قراءتي لسورة الأحقاف، فأُحصى المختبر ستة أخطاء، فعرف الشيخ ذلك وضربني على قفا يدي ست ضربات علمتني، وأذكره رحمه الله بكل خير. ] كيف كنت تحفظ القرآن الكريم وأنت فاقدٌ لبصرك؟ يقرأ عليّ أحدهم الآيات، وفي بعض السور والمقاطع السهلة كان يقرأ عليّ صفحة كاملة، فأعيد قراءتها عليه، إن لم أحفظه في الأولى فأحفظه في الثانية. ] ما هي الفترات التي كان يقضيها الشيخ في حفظ القرآن الكريم؟ كانت المدة من الصباح إلى الظهر، وبعد ذلك من بعد العصر إلى قبيل العشاء، ما عدا يوم الاثنين والخميس والجمعة كانت جلسة واحدة فقط. ] حدّثنا عن استكمال رحلتك بعد قرية كرناس. كانت رحلة الذهاب إلى حماة والالتحاق بدار الحفاظ التي كان يقوم عليها شيخي وأستاذي وملهمي وحجتي في العلم والقراءات الشيخ سعيد العبدالله -رحمه الله-، حتى أحداث حماة الدموية التي بعدها بسنة خرجت من سوريا. ] حدّثنا عن أسفارك وأسبابها أكثر. كانت هناك أسفار اضطرارية كالهجرة إلى السعودية وطلب الرزق في الإمارات، ثم السفر إلى السودانزللدعوة إلى الله عزّ وجل بتكليف من الشيخ ابن باز -رحمه الله- ثم ما أرجوه الاستقرار في البحرين لإكمال هذه الرسالة.. رسالة تعليم القرآن الكريم. ] يقول فيه تلميذه الشيخ محمد عتيق: يتميز الشيخ حسين عشيش بذكاء وحدّة حفظ، حتى انه استطاع أن يحفظ متن الطيبة في علم القراءات بعد ما جاوز الستين هنا في البحرين، وأخذ منه ذلك قرابة ستة أشهر. والقراءة مع الشيخ لا تمل، فهو بحر من العلوم بين قراءة وتجويد وتفسير وتدبر ولغة ومواقف، وعنده ميزة -لا تكاد تجدها في كثير من القراء- وهي الاستمتاع بالقارئ، فتجده يتفاعل ويصدر أصوات، وفي احدى الختمات أوصلت الشيخ ومعي أحد الأصدقاء، وكنت أقرأ من سورة يوسف، وكان الشيخ متأثرًا.. فعاتبني بعد ذلك أني كنت أريد البكاء ومامنعني إلا وجود صديقك، وفي أحد المرات اتصلت بالشيخ بعد رؤيا شاهدتها في المنام لأرويها له، فقال لي ما الذي وقع في نفسك؟ فقلت له أني أختم إن شاء الله القراءات العشر عليك، فرد عليه الشيخ أنه مثل الذي وقع في نفسه، وحصل ذلك فعلًا أني ختمت عنده القراءات العشر الصغرى، وقد كان الشيخ يعاتب نفسه بشدّة أنه مقصر جدًا مع القرآن الكريم. التَّفاؤل من أسباب نجاح الأفراد عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ خَالَتِهِ أُمِّ حَرَامٍ بِنْتِ مِلْحَانَ قَالَتْ: نَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا قَرِيبًا مِنِّي ثُمَّ اسْتَيْقَظَ يَتَبَسَّمُ، فَقُلْتُ: مَا أَضْحَكَكَ؟ قَالَ أُنَاسٌ مِنْ أُمَّتِي عُرِضُوا عَلَيَّ يَرْكَبُونَ هَذَا الْبَحْرَ الْأَخْضَرَ كَالْمُلُوكِ عَلَى الْأَسِرَّةِ. قَالَتْ: فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، فَدَعَا لَهَا. (رواه البخاري). إنّها ابتسامة التّفاؤل بنصر الله وانتشار دينه في أصقاع الأرض.. ابتسامة الأمل والبشارة والنّجاح.. ابتسامة استصحبها صلّى الله عليه وسلّم دائمًا في سِلمه وحربه، في صحّته ومرضه، في حضَره وسفره، في ذهابه وإيابه، فقد كان صلّى الله عليه وسلّم يُحبّ التّفاؤل. (متّفق عليه)، ودعا صحابته وأُمَّتَه إليه، فهو حُسْنُ ظنٍّ بالله، وسبيلٌ لتقوية الثّقة به سبحانه وتعالى، وحافزٌ للهمم على تحقيق مرادها وبلوغ أهدافها؛ فالمؤمن ينظر إلى الأحداث من حوله، وإلى قادم أيّامه بعين التّفاؤل والرّضا عن الله تعالى فيما يُقدِّره ويقضيه، فينال بذلك ثقة ويقينًا، وينعم بمشاعر الأمن والاطمئنان. ولذا نجده صلّى الله عليه وسلّم يحبّ الأسماء الحسنة تفاؤلاً، ويكره الأسماء المتشائمة؛ فغيّر اسم عاصية وقال: أنتِ جميلة. (رواه مسلم: 3994)، وَسَمَّى حَرْبًا سَلْمًا، وَسَمَّى الْمُضْطَجِعَ الْمُنْبَعِثَ، وَبَنُو الزِّنْيَةِ سَمَّاهُمْ بَنِي الرِّشْدَةِ، وَأَرْضُ عُقْدَةَ سَمَّاهَا حَضِرَةً، وَشعْبُ الضَّلالَةِ سَمَّاهُ شعْبَ الْهُدَى، وَسَمَّى بَنِي مُغْوِيَةَ بَنِي رُشْدٍ (صفوة التصوف: 591)، ولمّا قدم المدينة واسمها يثرب سمّاها طيبة (مسند الإمام أحمد: 20432)، وتأوّل سهولة الأمر يوم الحديبية من مجيء سهيل فقال: سهل أمركم. (زاد المعاد). قال الحليمي في شرح كتاب التّوحيد: وإنّما كان (يعجبه الفأل)؛ لأنّ التّشاؤم سوء ظنٍّ بالله تعالى بغير سبب محقّق، والتّفاؤل حسن ظنٍّ به، والمؤمن مأمور بحسن الظّنّ بالله تعالى على كل حال. والشّيطان يأتي للعبد ليحزنه فيوهمه بأحداث ووقائع تضرّه وتحزنه وتمنعه عن العمل والنّجاح، فإذا كان المرء متفائلاً واثقًا بالله تعالى، أغلق على الشّيطان منافذه، ولم يكن لليأس والتّشاؤم والقنوط إليه سبيلاً. ومن هنا يمكننا تعريف التّفاؤل بأنّه: نظـرة استبشار نحو المستقبل، تجعل الفرد يتوقّـع الأفضـل، و ينتظر حدوث الخير، ويرنو إلى النّجاح، ولذا شرع لنا صلّى الله عليه وسلّم اختيار أفضل الأسماء والألقاب المتفائلة لأولادنا؛ لأنّها تنعكس على صاحبها، فاسم همام مثلاً يغذي صاحبه بالعزيمة والشّجاعة والقوّة والرّجولة، واسم حارث مثلاً يدلّ على العمل والسّعي والجدّ والحرث؛ فهي مناسبة للنّفس ومؤثّرة فيها أحسن الأثر؛ إذ إنّ هناك تمازجًا وتفاعلاً كبيرين بين الأسماء والمسمّيات. وقد أثبتت الدّراسات الحديثة وجود علاقة إيجابيّة بين الشّخصيّة المتفائلة وبين السّعادة والنّجاح وتحقيق الأهداف، بل إنّ الشّخصيّة المتفائلة يمكنها بإذن الله تعالى: التكيّف مع ضغوط الحياة، وضبط الانفعالات، وحلّ المشكلات بنجاح، والتّفوق في التّحصيل الدّراسيّ، والتّميّز في الأداء الوظيفيّ، والاستجابة السّريعة للعلاج، والصّحّة النّفسيّة، والتّوافق مع الأفراد والمجتمع. إنّ للأسرة دورًا عظيمًا في زرع التّفاؤل في حياة أفرادها، وعلى الوالدين -على الخصوص- المهمّة الأكبر ليكون التّفاؤل والاستبشار صفة أولادهم في كلّ حركاتهم وسكناتهم، ومن ذلك: 1- تسمية الأولاد وتكنيتهم وتلقيبهم بالأسماء والصّفات الحسنة المتفائلة، واستبدال المخالف منها بما هو أحسن. 2- إشاعة الابتسامة والبشاشة وأجواء الأُنْس والسّعادة في الأسرة، وفي علاقة أفرادها ببعض. 3- التّعريف بقيمة التّفاؤل، وتبيان منهج المصطفى -صلّى الله عليه وسلّم- في دعوة أصحابه -رضوان الله عليهم- للاتّصاف بها والتزامها. 4- بيان أنّ أمر المؤمن كلّه له خير عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ. (رواه مسلم : 5323). 5- أَسْمِعْ أولادك أدعية التّفاؤل حين مناسبتها، كمثل دعاء لبس الثّوب الجديد (الْبَسْ جَدِيدًا وَعِشْ حَمِيدًا وَمُتْ شَهِيدًا). و (تبلي ويخلف الله). 6- كرّرْ على مسامع أولادك عبارات التّفاؤل والقدرة على تجاوز العقبات: أنا أثق بك، و أنت ناجح، و بل تستطيع، و يمكنك تحقيق الفوز.. الخ. 7- احذرْ من ترديد مفردات التّشاؤم والإحباط على مسامع أولادك أنت غبيّ، أو أنت كسول، أو النّجاح عنك بعيد، أو غيرك أفضل منك.. الخ. 8- اجعلْ من الفشل الذي قد يعترض أولادك أحيانًا فُرصًا حقيقيّة للنّجاح، يمدّهم بعزيمة أقوى في خطواتهم القادمة. 9- احتفلْ بإنجازات أولادك، كافئْهم، افتخرْ بهم في المجتمع المحيط بهم، ضعْ شهادة نجاحهم في مكان بارز في أماكن جلوسهم. 10- ضعْ هذا البيت في مكان بارز في مكان استذكار أولادك تَفاءل بما تَهوى يكنْ فَلقلَّما يُقالُ لشيء كانَ إلاّ تَحقّقا إنّ التّربية فرصتنا الرّائعة لنرسم صفحة التّفاؤل في مسيرة فلذات أكبادنا، نرفع عن كواهلهم مفردات اليأس ومحفِّزاته، نجعلهم ينظرون إلى مستقبل حياتهم بأمان وابتهاج واطمئنان، وليس هذا بعزيز؛ فإنّ العلم بالتّعلم، والحِلم بالتّحلّم، والتّفاؤل يكون باستخدام مفرداته، والعيش في أجوائه وتحت ظلاله، وقبلها وبعدها التزام الإيمان والعمل الصّالح: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ). [النحل: 97].