×
محافظة مكة المكرمة

بلدي الطائف يناقش تطوير الخدمات

صورة الخبر

نحاول في بعض ما نكتب أن نتلمس مخارج للخروج من الازمة السياسية التي حلت بالبلد منذ 2011م، ونسعى فيما نكتب ان نكون صرحاء صادقين فيما نعرض، ومع ذلك نتلقى اللوم العنيف من بعض الأصدقاء في اليسار، الذين يتهمونني بأني أركز فقط على أخطاء وخطايا المعارضة دون التعرض لأخطاء السلطة، ولذلك يعتبرون هذه الكتابات في مجملها غير موضوعية غير متوازنة ومنحازة في النهاية. والحقيقة أنني لا أكون مبالغاً حين أقول إن الجهة الوحيدة التي يمكن انتقادها بحرية وبقسوة في وسائل الإعلام المحسوبة عليها اليوم هي الحكومة، فوزراؤها يتعرّضون إلى المساءلة في الصحف وفي البرلمان علناً ويحققون معهم علناً، ويقيّم أداؤهم بقسوة في كثير من الأحيان دون أدنى أي مشكلة، وأقصى ما يفعلونه هو الدفاع عن أنفسهم بالحجة والدليل، لكن من يستطيع انتقاد المعارضة ورموزها المقدسة التي ترتدي عباءة الدين وتتكلم باسمه، فهو خائن عميل أو مرتزق لئيم على حد تعبيراتهم المتكررة. هذا أولاً، أما ثانياً فإن الكتابة المفيدة كما أراها هي تلك التي تكون منحازة إلى البلد وإلى مصلحة الناس الذين يعانون من الضغط المتواصل والعدوان اليومي والفوضى وقطع الطرق، ومن المعارضة التي أصبحت عداوتها للسلطة متطابقة مع عداوة مماثلة - قبل المراجعة الأخيرة - للتوافق الوطني الذي لا يمكن الخروج من الأزمة إلا به ومن خلاله. ومع ذلك من الطبيعي أن نكون مع من يعلن عن الإصلاح وتمسكه بالنهج الديمقراطي، ومع من يتولى تعزيز هذا التمشي رغم التحدي اليومي الذي يواجهه ويعمل على زعزعته بالتهم أحياناً، وبالعنف أحياناً أخرى وبإشاعة الفوضى والتعاطي مع الخارج ضد الداخل دائماً.. ومن الطبيعي أن نكون مع من يعترف بأخطائه ويعتذر عنها قولاً وفعلاً وإجراءً وتصحيحاً، وعندما تتخذ السلطة الخطوات الضرورية مهما كانت مؤلمة لمعالجة بعض أهم نتائج الأزمة التي تم افتعالها في الأصل وتصعيدها بتنسيق تام مع الضغوط الخارجية لا يمكن إلا أن نشيد بذلك ونحترم شجاعتها. كما انه من الطبيعي أن نكون مع من حرص على تقصي الحقائق وإغلاق ملفات كبيرة واتخذ من الإجراءات ما أشاد به العالم إلا الذين لا يرون ولا يسمعون ولا يتكلمون إلا بما في نفوسهم المغلقة بالكراهية المطلقة. ومن الطبيعي أن نكون مع من دعا للحوار الوطني وفتح أبوابه على مصراعيها دون قيد ولا شرط إلا مبدأ التوافق الوطني لإنقاذ البلاد من الفوضى والاحتراق. ومن الطبيعي أن ننتقد الذين لا يعترفون بأخطائهم ولا يعتذرون عن خطاياهم ولا عما سببوه للمجتمع من أذى وأوجاع وآلام وهزات ولا يتجاوزونها غروراً وتعالياً وأنانيةً وتضخماً للذات، ومن الطبيعي أن نعترض على الذين جروا البلاد والعباد إلى نار حارقة ووضعوها يومياً على حافة بركان دون ان يكون هنالك مبرر واحد يستدعي مثل هذه المغامرة الفجة، قتال مفتوح في الشوارع والطرقات، ابتزازاً للسلطة واختطافاً للمجتمع، وأن نعترض على التحريض على الكراهية والتمييز بين مكونات المجتمع سواء أكانت تقصد ذلك أو لا تقصده، لان العبرة بالنتائج، والنتائج ها هنا كارثية والأفعال مذمومة، فهي ضد الدولة وضد مكونات المجتمع الأخرى التي يتم وصفها منهجياً بأبشع النعوت بالطبالين والمرتزقة وبسائر مصطلحات التحقير والازدراء التي تحولت إلى قاموس راسخ حتى في لغة الأطفال، بفضل هذا القاموس الذي كرّسه خطاب المعارضة وبياناتها وتدني مستوى التخاطب السياسي والإعلامي لديها، بما أسس لضروب العداوات، وبما أدى إلى خلق لغة مضادة وتدن من نوع مقابل في اللغة والشعار. بعض هؤلاء الأصدقاء يقترحون بكل بساطة: لماذا لا تأخذ السلطة بالخيار السياسي الذي يمكن أن يخرج البلاد من أزمتها، بتنفيذ ما تطالب به المعارضة وينتهي الأمر، وتنتهي الازمة! (هكذا!). والحقيقة أن هذا أغرب طلب يمكن أن يتقدم به عاقل في سياق علم السياسة، خصوصاً أن ما تطالب به بعض هذه المعارضة هو أن تتخلى السلطة عن السلطة، أي ان تتخذ قراراً بإسقاط نفسها أو حل نفسها، وأن تتجرد من كل قدراتها وتسلمها إلى هذه المعارضة، والتي من الواضح أنها غير جديرة أو مؤهلة لإدارة البلاد استناداً إلى طريقتها في معالجة وإدارة الأزمة وخطورة انزلاقها وراء تقسيم المجتمع وإدخال البلاد على خط التدخلات الخارجية. ويكفي هنا الاستشهاد بمرجعياتها التي لا تبشّر بالخير، ولا يمكن ان تحيل إلى بناء مجتمع ديمقراطي حقيقي. ولذلك فإن الوقوف على منصة الادعاء مخالف لفعل العقل السياسي المتزن الذي يمكن أن يتقدم بالبلاد، ولسنا هنا في حاجة لأي استعراض لنماذج لهذا الادعاء والتعالي في بازار بعض الخطب والتصريحات والتغريدات المنشورة كل يوم على نطاق واسع.. ويمكن في هذا السياق بيان أمرين في منتهى الأهمية لفهم طبيعة اللعبة الجارية: الأول: هذا الادعاء الديمقراطي المضحك ضمن تركيبة سياسية دينية طائفية لا تؤمن بالديمقراطية أصلاً ولا بعلمانية الدولة باعتبارها المفتاح والضمان لفصل الدين عن السياسة، ولن نخرج بنتيجة حاسمة كتلك التي تعطينا إياها صورة ولاية الفقيه المطلقة وإطارها المرجعي المعادي للديمقراطية، فالولاية المخولة مقدمة على جميع الأحكام الأخرى، وتستطيع أن تلغي من طرف واحد الاتفاقات التي تعقدها هذه الولاية مع الشعب إذا رأتها مخالفة لما تراه صالحاً، بما في ذلك إمكانية إيقاف ركن من أركان الإسلام مثل الحج، كما حصل في إيران لعدة سنوات. - الثاني أن الممارسة العملية على الأرض دلت بما لا يدع مجالاً للشك أن الهيمنة الطائفية - فكراً ورؤيةً وتحريضاً وسيطرةً وتوجيهاً - على الحياة السياسية أو على قسم مهم من المجتمع السياسي يؤثر بشكل خطير ليس على الولاء الوطني فحسب، بل على هوية البلد وعلى توجهاته وانتمائه العربي، ولمن يشك في ذلك فلينظر حواليه ماذا فعل مثل هذا الفكر بالعراق، برجاله ونسائه وتاريخه الحافل وعلمائه الكبار، فقد حولوه إلى تبعية إيرانية مسلوب الإرادة والهوية، تديره المليشيات وتؤثر فيه الأحقاد، بل إن الزعامات والقيادات العراقية - بمن في ذلك المحسوبين على التيار العلماني - يحجون اليوم إلى طهران يستشيرونها في كل صغيرة أو كبيرة، في تعيين وزير أو عزل وكيل، فكل واحد لكي يصل إلى ما يريد، أو ليحقق حلماً من أحلامه السياسية، عليه أن يسترضي إيران الملالي، وهذا مجرد مثال يعرفه الإخوة العراقيون جيداً ونقرأ عجائبه اليومية في سجل ضياع الهوية الوطنية والقومية وضياع الاستقلال وتبديد التاريخ والمكتسبات، وهو أمر لا نتمنى أن يتكرر في أي بلد عربي آخر.