المعمرة اللبنانية التي أعلن عن وفاتها صباح الأربعاء الماضي، عن عمرٍ ناهز (87) عاماً (عدا الأعياد والإجازات والعطل الرسمية العربية) هي السيدة/ جانيت جرجس فغالي، وليست المطربة الفنانة/ صباح! فالأخيرة باقية ما بقيت مئات الأغاني، وعشرات الأفلام، والمسرحيات، واللقاءات المقروءة، والمرئية، والمسموعة! ولكن أهميتها لا تعود إلى كل ذلك، ففي كل مجالٍ طرقته هناك من هي أهم منها! وإنما يعزى خلودها إلى شخصيتها المعروفة بـ(الشحرورة): حيث قدمت نموذجاً فريداً للمرأة العربية، التي أراد (قاسم أمين) و(هدى شعراوي) و(نوال السعداوي) أن يحرروها فلم تزدد بدعواتهم إلا عبوديةً؛ حتى أصبحت (هي) حارس النسق الذكوري الأول، والأخير، والنص نص، لتقهر سيدنا/ نزار قباني بخذلانها، بل خيانتها القاتلة: أحْبَبْتُهنَّ وهنَّ ما أَحْبَبْنَنِي * وصدقتُهُنَّ ووعدُهنَّ كِذابُ! أَأُحاسبُ امرأةً على نسيانها؟ ومتى استقام مع النساءِ حسابُ؟ أما الشحرورة فحطَّمت النسق الذكوري عملياً ودون سابق مثال أو قدوة، منذ قررت احتراف الفن وهي لم تتجاوز ربيعها الـ(18)، ضاربةً عرض الحائط بثقافة العيب والحرام، التي ما زالت تنظر للفنانة بغمزات الريبة والاتهام والاحتقار، ولم تفلح نماذج عظيمة، كأم كلثوم، وفيروز، وفاتن حمامة في تصحيح هذه النظرة المقيتة! وأما الشهرةُ فلم تزد الشحرورةَ إلا تمادياً في الانعتاق من الثقافة الذكورية، حيث قارعت أكثر الرجال زواجاً؛ بتسع مراتٍ (رسمية معلنة)، وكانت هي المبادرة في معظمها إلى الحب والرغبة في الاقتران، غير مراعية لفوارق التوقيت التقليدية؛ رغم معرفتها أن بعضهم الأبعض كان مبهوراً بشهرتها، وطامعاً في كرمها الباذخ؛ حتى سماها (مدام بنك)!! وكانت في كل مرةٍ تتزوج (وأصبحت أماً مرتين) دون أن تؤثر على فنها، فإذا شعرت أنها مخيَّرةٌ بينه وبين استمرار حياتها الزوجية، لم تتردد في تفضيله، والانطلاق بالطلاق إليه من جديد! في الوقت الذي يسجل التاريخ عشرات المطربات والفنانات والمذيعات، اللواتي خضعن لشرط المتقدم للزواج بهن، واعتزلن حياة الإبداع، وضحَّين بكل إغراءات المجد والأضواء، في سبيل إسعاد (سي السيد)!! ولعل موت السيدة (جانيت) باسم (صباح) يبعث نموذج (الشحرورة) للمرأة العربية المقبلة على الحياة، تعيشها كما تريد هي، لا كما يريد لها النسق الذكوري الرجعي!! نقلا عن مكة