•• قد أحاول أن أمحو وأعذر خبث الصغار عندما يكذبون ويفترضون في الناس الغباء، وهم الأغبياء. •• ولكن إياك وخبث العقلاء والفطناء، فهم يفعلون ذلك بدراية وحنكة بالغة لا يتبينها الجهلاء.. ولكن عليك أن تأخذها مأخذ الجد والحذر.. •• فالجاهل قد يداهنك وأنت تعرف أنه يكذب ويخاف من شيء أنت لا تعرفه.. ويتوهمك وأنت لا تضمر له شرا ولا تكرهه، ويختار مزالق ومحاذير خفيفة أنت لا تعبأ بها.. ولا تضرك في شيء، ويجهد نفسه في تلك التكتمات السخيفة، وأنت لا يعنيك أن يفصح عنها أو لا يفصح.. وهؤلاء المساكين الخائفون الوجلون.. لا بد وأن تتلمس العذر لهم.. فهم إما حريصون على مكاسب دنيوية صغيرة يحاولون أن لا يفقدوها.. أو في مطامع أخرى أنت لا تملكها.. وهم في كلتا الحالتين لا ضرر منهم ولا نفع من ورائهم.. ولكن ينبغي أن تحاول معالجة العطب الذي أصاب نفسياتهم بالطيبة والوضوح والدخول بكل إنسانيتك إلى خفايا ما يتوهمون، ولك في ذلك أجر كبير.. •• أما الفئة الثانية، وهي العاقلة والحكيمة وبعضهم من جماعة التلميح لا التصريح، وعليك أن تستخدم عقلك وتجعله يعمل في داخل رأسك وتفطن لما تسمع وتعي ما يقال وتحاول أن تفهم ما لا يفصح عنه.. فإن أدركت حكمة ما يقال بأدب فقد نجوت من خطأ أنت لا تعرفه ولا تقصده.. ولكن في هؤلاء العقلاء من يأتيك مباشرة، فيما يود أن يقول لك محبا صادقا مدركا لجدوى ما يقول.. فيترك في نفسك أبلغ الأثر الطيب؛ لأنه أشار عليك بما ينفعك ولا يضرك.. وترك لك الخيار.. وهؤلاء هم الساعون لإصلاح الناس بالحسنى.. وغالبا ما يتقبلهم الواعون بكل رحابة صدورهم.. •• ونأتي لفئة ثالثة، وهي أشد خطرا وأكثر عنفا ولا يطيقهم ولا يتقبلهم أحد.. وهم أكثر إشاعة للشقاق والفرقة في كل مجتمع. إنهم ــ المكفرون ــ المتطرفون ــ المغالون في أحكام الدين ــ الذي أنزله الله رحمة ويسرا وهدى للناس، وهؤلاء يعيشون في عزلة عما يدور حولهم من تطور في العقول والمفاهيم وحياة الناس في هذا العصر.. وبدلا من سعيهم لإصلاح عباد الله بالكلمة الحسنة يسهمون بدون أن يدروا في اتساع الفرقة بينهم وبين أفراد الشعب الذي ضاق بتصرفاتهم وجنونهم وغلوائهم.. وهؤلاء هم الذين ينبغي على المرء أن لا ينساق إلى الجدل والنقاش معهم، فلهم قناعاتهم التي لا يحيدون عنها وسببت الكثير من الفتن والفرقة في كثير من بلدان العالم العربي والإسلامي الذي انتشر فيه الإرهاب. •• وإذا كان البعض يرى أنهم من ــ المناطق الساخنة ــ التي لا ينبغي الاقتراب أو الاحتكاك بها، فهم يعتقدون أنهم على حق وغيرهم على باطل.. إلا أنني أرى أن إصلاح أي مجتمع لن يتأتى إلا بالحوار والحجة والمنطق.. وتقبل الرأي الآخر.. فعسى الله أن يصلحهم ويعودوا إلى جادة الصواب وما فيه خير لمجتمعهم.. فذلك أجدى وأنفع من أن «يفرخوا» لنا إرهابيين جددا يهددون أمن البلاد والعباد.. نسأل الله أن يهدينا جميعا إلى ما فيه الخير والسلام.