رغَّب النبي صلى الله عليه وسلم في العدل، ومن ذلك أنه قال: «سبعة يُظِلُّهم الله في ظِلِّه يوم لا ظِلَّ إلا ظِلُّه: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله...». وعن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن المقسطين عند الله على منابر من نورٍ عن يمين الرحمن وكِلتَا يديه يمينٌ، الذين يعدلون في حُكمِهم، وأهليهم، وَمَا وَلُوا». العدل له مجالات كثيرة لا تحصر منها: العدل في الولاية، العدل في القضاء، العدل في تطبيق الحدود، العدل في المعاملات بين الناس، العدل في الإصلاح بين الناس، العدل مع الأعداء، العدل مع الأولاد، العدل بين الزوجات... وغير ذلك. من الأمثلة العظيمة في تطبيق النبي - صلى الله عليه وسلم - للعدل المثال الأول: مع المرأة المخزوميَّة التي سرقت كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أعدل البشر في جميع أموره وأحكامه، ومما يضرب به المثل في عدله إلى يوم القيامة قصة المخزومية التي سرقت فقطع يدها بعد أن شفع فيها أسامة، ولكن الرسول لم يحابِ في ذلك، ولم يقبل الشفاعة في حد من حدود الله تعالى. فعن عائشة - رضي الله عنها -: «أن قريشاً أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت في عهد النبي في غزوة الفتح، فقالوا: من يُكلِّم فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقالوا: ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد، حِبُّ رسول الله فأُتيَ بها رسول الله فكلمه فيها أسامة بن زيد، فتلوَّن وجه رسول الله فقال: أتشفع في حد من حدود الله؟ فقال له أسامة: استغفر لي يا رسول الله! فلما كان العشي قام رسول الله فاختطب فأثنى على الله بما هو أهله، فقال: أما بعد، أيها الناس: إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وإني والذي نفسي بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها». ثم أمر بتلك المرأة التي سرقت فقطعت يدها. قالت عائشة: «فحسنت توبتها بعد، وتزوجت، وكانت تأتيني فأرفع حاجتها إلى رسول الله». المثال الثاني: مع النعمان بن بشير وابنه - رضي الله عنهما - وعن النعمان بن بشير - رضي الله عنهما - قال وهو على المنبر: «أعطاني أبي عطيَّةً، فقالت عمرة بنتُ رواحة: لا أرضَ حتى تُشهِدَ رسول الله، فأتى رسولَ الله فقال: إني أعطيتُ ابني من عمرة بنت رواحة عطيَّةً فأمرتني أن أُشهدكَ يا رسولَ الله، قال: أعطيت سائر ولدك مثل هذا؟ قال: لا. قال: فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم «قال: فرجع فردَّ عطيته. وفي رواية: أن النبي قال: «ألك ولدٌ سواه ؟ قال: نعم، قال: فأراه قال: لا تُشهدني على جور «وفي لفظ: «لا أشهد على جور» وفي لفظ: «إني نحلتُ ابني هذا غلاماً، فقال: أَكُلَّ ولدك نحلتَه مثلَهُ؟ قال: لا. قال: فأرجعه»، وفي لفظ لمسلم: «أليس تريد منهم البر مثل ما تريد من ذا؟ قال: بلى، قال: فإني لا أشهد». والنحلة: العطية بغير عوض وفي هذا الحديث حرص النبي - صلى الله عليه وسلم - على العدل بين الأولاد، ووصيته بالتقوى، وبالعدل بين الأولاد وغيرهم، وسمعت شيخنا الإمام عبدالعزيز بن باز - رحمه الله - يقول: «وهذا واضح أنه لا يجوز تخصيص بعض الأولاد بشيء، لأن هذا يسبب الشحناء بين الأولاد والعداوة، وللذكر مثل حظ الأنثيين كالميراث على الصحيح، ويعدل بين الطائعين والعصاة، ويُوجِّه العصاة وينصحون».