×
محافظة المدينة المنورة

حريق لمركبة "ساهر" أثناء أداء عملها بتبوك

صورة الخبر

يزداد يوماً إثر يوم، الاهتمام بدور العلوم التطبيقية في حياتنا المعاصرة، وفي المقابل، بات يتضاءل الاهتمام بالدراسات الإنسانية والاجتماعية والعلوم البحتة، كالفيزياء والرياضيات. وعلى الرغم من أن طبيعة الحياة لا يمكن فصلها بمثل هذه الحدة، إلا أننا يمكن أن نلحظ تأثيراتها في العملية التعليمية بشكل عام، وفي كليات الآداب والعلوم الإنسانية والاجتماعية بوجه خاص. فأين تكمن المشكلة؟ لقد تميز القرن العشرون بطابعه المادي، وسيطرة القيم الاقتصادية فيه، والتي عزّزت المسؤولية الاجتماعية للحكومة نحو رفاهية الأفراد، وهذا أعطى دوراً أكبر للتكنولوجيا والعلوم في الحياة المعاصرة، لأنهما يحققان رفاهية الإنسان، ويساعدان في تحقيق حياة أفضل. وهكذا صارت المخترعات من وسائل مواصلات واتصالات ومعدات طبية وكهربائية وإلكترونية، لها السيادة في حياتنا المعاصرة، وساهمت في النمو الاقتصادي. وكذلك أكدت المخترعات والاكتشافات العلمية في مجال الطب قدرة العلم على السيطرة على أمراض وأوبئة لم يكن في السابق إمكان علاجها. وشهد هذا القرن حروباً كبرى استخدمت فيها التقنيات التي دمّرت المدن، وأكدت سطوة التكنولوجيا والعلم دورهما في صناعة عالم القوة والسيطرة. كل هذا جعل السطوة للعلوم التطبيقية، وتوارى الاهتمام بالعلوم الإنسانية والاجتماعية. إن الإحساس بالخوف من سيطرة العلم، أمر له ما يبرره، ذلك أن طبيعة الإنسان ليست مادة فحسب، وطبيعة حياته هي أنشطة متنوعة متكاملة، إذ لا يمكن للبشرية أن تضع في اعتبارها أن العلم وحده هو القادر على حل مشكلات البشرية، ولا يمكن عزل التقدم في المجال التكنولوجي عن فكر الإنسان وثقافته التي تقود التقنية. وعلى سبيل المثال، فاللغة أساس حياة الإنسان، وهي عصب أنشطته المختلفة، بما فيها العلم نفسه. وإنّ فهم الطبيعة البشرية والسلوك الإنساني، جميعها تسهم في سيطرة فاعلة في إطار المجتمع المحلي والإنساني بشكل عام. ولذا، فإن النظرة الموضوعية إلى التعليم، لا يمكنها إغفال التوازن المطلوب بين الدراسات الإنسانية والاجتماعية والعلوم البحتة والتطبيقية، كالرياضيات والفيزياء والكيمياء، إن هذا التوازن ضروري لبقاء المجتمعات وتقدمها. ولا تقدم كليات الآداب بعلومها الإنسانية والاجتماعية، خدمة للأفراد فحسب، بل تقدم خدمة للمجتمع. فالمدارس هي أساس بناء روح المواطنة والانتماء لدى الأفراد. وتستطيع الدراسات الإنسانية والاجتماعية، تنمية شخصية أفراد مثقفين، لديهم الإلمام بالتخصص والمهارات القادرة على صنع قيادة المجتمع، وتولي مسؤوليات الإدارة والحكم. ويحتاج بناء شخصية الطالب وتعليمه وتدريبه، نظرة متكاملة، إذ نرى أنه يجب أن يُعَد الطالب إعداداً علمياً وثقافياً يبني شخصية متكاملة لفرد، قادرة على تحقيق الذات وخدمة المجتمع في أي موقع، يكون فيه متسقاً مع طبيعة تخصصه. إنّ خريجي الدراسات الإنسانية والاجتماعية، غالباً ما يقودون مجتمعاتهم، وهم الذين يوجّهون هذه المجتمعات فكرياً، ويصوغون قيمها وأفكارها، ويؤثرون في وجدانها. ولهذا، فإن النظر إلى الدراسات الإنسانية والاجتماعية، يستدعي منا نظرة جادة إلى مدخلات العملية التعليمية، فهل نحن نهدف إلى خريج الجامعة لملء شواغر وظائف؟ أو هل مهمة الجامعة أن تعد الخريج ليكون مثقفاً يحقق إشباعات ذاتية؟، أو هل من مسؤوليات الدراسات الإنسانية والاجتماعية، إعداد قادة الفكر والسياسة في المجتمع؟. إن الخوف من سطوة العلم له ما يبرره، إذا لم تكن هناك رؤية واضحة للتوازن بين العلم والدراسات الإنسانية والاجتماعية، وهي رؤية، نحن العرب، في أمسّ الحاجة لها الآن، في ظل التراجع الواضح في الاهتمام بالدراسات الإنسانية والاجتماعية في الوطن العربي.