القاهرة عيد عبد الحليم: يعد الجامع الأقمر أحد أبرز المعالم الأثرية في شارع المعز لدين الله الفاطمي، ويقع مباشرة في مواجهة المجموعة الأثرية للسلطان برقوق، وتجاوره من الناحية الشمالية مدرسة الصالح أيوب، ومن الناحية الغربية متحف النسيج المصري، وهو محاط كذلك بمجموعة من الآثار المملوكية والفاطمية. يتميز المسجد بعمارته الفريدة، وبمئذنته المدببة ذات الرسوم الجمالية المتعددة، التي تنتمي إلى الطراز المعماري الفاطمي، وتتشابه كثيراً مع مئذنة مسجد الحاكم بأمر الله، أما واجهته فتمتلئ بالدلايات والحليات الزخرفية ونقوش محفورة داخل الحجر. ويختلف المسجد الذي بناه الوزير الفاطمي المأمون بن البطالحي بتكليف من الخليفة الآمر بأحكام الله أبي علي منصور الفاطمي سنة 1125، أما أهم ما يتميز به المسجد الأقمر أن به أماكن لانعكاس الضوء، وصمم ليناسب حركة القمر في السماء، (ولذلك سمي الجامع الأقمر)، ويبدو من واجهة المسجد كثرة الرسوم الخاصة بالشمس والقمر، وهي ظاهرة لافتة للنظر. وربما هذا ما أشار إليه د. أحمد فخري، أستاذ الحضارة، في كتابه عن المساجد في مصر، حين وصف هذا المسجد في أحد مؤلفاته قائلاً: أهم الظواهر الخاصة بالزخرفة في مسجد الأقمر، هي الإشعاعات من مركز يمثل الشمس في أغلب الأحيان، وإذا اتجهت الأنظار إلى الطاقة الكبيرة التي تعلو الباب، تلاحظ أنه يتوسطها في دائرة صغيرة اسم محمد صلى الله عليه وسلم، كما توجد نقوش لآيات قرآنية مثل قوله تعالى: إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً. ويؤكد فخري: وكأنما أريد بالشموس المضيئة المرسومة على مدخل المسجد، أن تعبر عن قوله تعالى: جعل الشمس ضياء والقمر نوراً، وقد تم تجديد المسجد في عصر المماليك خاصة في عهد الصالح طلائع، ثم الوزيرالسالمي من الماليك الظاهرية، الذي أدخل عليه مجموعة من التجديدات، وأنشأ بصحن المسجد فسقية للمياه، يتم من خلالها الوضوء للصلاة، وبدأ من ذلك الوقت إقامة صلاة الجمعة فيه، وفي عهد محمد علي، قام سليمان أغا السلحدار بتجديد المسجد وترميمه وإدخال مجموعة من الإصلاحات المعمارية عليه. وعن أهم الخصائص المعمارية لمسجد الأقمر، وجود صحن كبير بشكل مستطيل، مكون من ثلاثة عقود كل عقد مرتكن على عمودين، ثم هناك المحراب وهو مصنوع من الرخام الأبيض، تعلوه لوحة من الرخام عليها اسم الأمير السالمي، والملك برقوق الذي كان يحكم مصر وقتها، وصحن المسجد مكشوف، أما طريقة البناء فقد تم بنائه بالحجارة البيضاء، ويصف علماء الآثار مدخل المسجد بأنه أفضل واجهة حجرية لمسجد أنشئ في العصر الفاطمي. ويوجد بالمدخل عقد معشق، تعلوه مروحة، تشكل عقداً فارسياً تتوسطه دائرة، ويعتبر المسجد صحناً مفتوحاً به أربع قباب صغيرة، هو من المساجد المعلقة، ومن أكثر المساجد التي توجد بها زخارف في واجهتها، وهي زخارف هندسية رائعة، وهناك سلم يؤدي إلى المئذنة. ويؤكد د. عبد المنعم العليمي أستاذ التاريخ، أن العمارة الإسلامية متنوعة، وتظهر في البنية المعمارية لمسجد الأقمر جماليات تلك العمارة، خاصة في العصر الفاطمي، الذي تتميز العمارة فيه بكثرة الزخارف، وتنوعها، ما بين الرسوم والآيات القرآنية والأحاديث النبوية، وكانت العمارة بهذا التنوع وسيلة للتقرب إلى الذائقة المصرية التي تعشق الإبهار في المبنى والمعنى أيضاً. ويعد المسجد تحفة معمارية، حيث بني على نظام هندسي دقيق يتوافق مع ما حوله من مبان أثرية، ويمثل طرازاً خاصاً وسط المباني المملوكية، التي أنشأها سلاطين ذلك العصر مثل السلطان برقوق، والسلطان المنصور قلاوون، وابنه السلطان محمد بن قلاوون، والسلطان الصالح أيوب وغيرهم.