×
محافظة المنطقة الشرقية

"أسرة آمنة" و"المحبوبات الثمانية" بملتقى الشباب.. اليوم

صورة الخبر

أعشى قيس أو الأعشى الأكبر تمييزاً له عن شعراء آخرين لقبوا بالأعشى، ومنهم أعشى باهلة الذي سبق أن تحدثت عنه في هذا النثار، وهو ميمون أبن جندل وينتهي نسبه إلى بكر ابن وائل، والأعشى في اللغة الذي لا يرى ليلاً، وأدرك الإسلام ولم يسلم، ولهذا قصة سأرويها بعد قليل، ولقب بالأعشى لضعف بصره، على أنه عمي في أواخر عمره،، وولد وتوفي في منفوحة، وهي الآن حيّ من أحياء الرياض، وبها شارع باسمه، وأمّا عن قصة إسلامه، فإنه لمّا سمع عن انتشار الإسلام وقوة شكيمة الرسول، نظم قصيدة في مدحه، وتهيأ للذهاب إلى المدينة، ولكنّ أبا سفيان اعترضه في الطريق وقال له: إنّ محمداً يحرم عليك الخمر والزنا والقمار، فأجابه الأعشى: أمّا الزنا فقد تركني وما تركته، أمّا القمار فلعلي أصيب منه خلفا وأمّا الخمر فإنّ لي فيها علالات، فقال له أبو سفيان: ألا أدلك على خير؟ قال ما هو؟ فقال إنّ بيننا وبينه هدنة (يريد صلح الحديبية) فترجع عامك هذا وتأخذ مئة ناقة حمراء، فإن ظهر بعدها أتيته، وإن ظفرنا به أصبت عوضاً عن رحلتك، فقال الأعشى لا أبالي، فأخذه أبو سفيان إلى بيته وجمع له سادة القوم، ثمّ قال لهم: يا معشر قريش هذا أعشى قيس، وقد علمتم شعره، ولئن وصل إلى محمد ليضربنّ بكم العرب قاطبة بشعره، فجمعوا له مئة ناقة حمراء فأخذها ورجع، فلما وصل إلى اليمامة سقط من على ناقته ومات، على أنّ القصيدة حفظها لنا التاريخ ومن أبياتها: متى ما تناخي عند باب ابن هاشم تراحى وتلقى من فواضله ندى نبي يرى ما لا ترون وذكره أغار لعمري في البلاد وأنجدا له صدقات ما تغبّ ونائل وليس عطاء اليوم مانعه غدا أجدك لم تسمع وصاة محمد نبي الإله حين أوصى وأشهدا إذا أنت لم ترحل بزاد من التقى ولاقيت بعد الموت من قد تزودا ندمت على أن لا تكون كمثله وإنك لم ترصد لما كان أرصدا والأعشى يعتبر بدعاً بين الجاهليين، فلا يتسم بالسمات الغالبة عليهم كالشجاعة والإقدام وعدم الهيبة من الموت، وعدم الجزع أمام صروف الدهر، فلم يؤثر عنه أنه خاض معركة أو اشترك في حرب، ولعل السبب في ذلك تكوينه الجسماني فهو محنيّ الظهر وأعشى، وأصيب بالعمى في أواخر حياته، وغزاه الصلع، وهو القائل: وأنكرتني وما كان الذي نكرت من الحوادث إلاّ الشيب والصلعا كما يقول أأن رأت رجلا أعشى أضرّ به ريب المنون ودهر مفند خبل ويبدو أنه كرّس حياته لجمع المال واستجلاب العطايا بمدح الملوك والأمراء، وهو القائل في القصيدة التي كان يريد أن يلقيها أمام الرسول صلى الله عليه وسلم: وما زلت أبغي المال مذ أنا يافع وليدا وكهلا حين شبت وأمردا وكانت معاقرة الخمر سلوانه الوحيد الذي يركن إليه في صباحه ومسائه، وأنشد فيها الكثير من شعره، مما لا نراه فيما بعد إلاّ عند الأخطل وأبي نواس، ولا أحسب أنه كان وفياً لصاحبة واحدة كهريرة التي ذكرها في معلقته، بل كانت له غير صاحبة كما يتضح من شعره، ثمّ أنه فيما يبدو لم يقف على الأطلال وهو القائل: ما بكاء الكبير في الأطلال وسؤالي وما تردّ سؤالي ورغم أنه لم يسلم إلاّ أنه من الشعراء الذين أدخلهم المعري الجنة في رسالة الغفران لأنه قال في مدح الرسول: ألا أيّهذا السائلي أين يممت فإنّ لها في أهل يثرب موعدا وهناك شعراء جاهليون أدخلهم المعري الجنة في رسالة الغفران، ومنهم عبيد ابن الأبرص الذي دخلها من أجل بيت واحد من يسأل الناس يمنعوه وسائل الله لا يخيب وإليكم معلقته، وهو يبدأها بهذا البيت الذي ينبئ بالسرد ودع هريرة إنّ الركب مرتحل وهل تطيق وداعاً أيها الرجل؟ ثمّ يصفها وهو وصف فيه سرد كأنّ مشيتها من بيت جارتها مرّ السحابة لا ريث ولا عجل ليست كمن يكره الجيران طلعتها ولا تراها لسرّ الجار تختتل يكاد يصرعها لولا تشددها إذا تقوم إلى جاراتها الكسل إذا تقوم يضوع المسك أصورة والزنبق الورد من أردانها شمل وهي أبيات لا تحتاج إلى شرح مفرداتها، ثمّ يمضي في الوصف السردي ما روضة من رياض الحزن معشبة خضراء جاد عليها مسبل هطل يضاحك الشمس منها كوكب شرق مؤزر بعميم النبت مكتهل يوماً بأطيب منها نشر رائحة ولا بأحسن منها إذا دنا الأصل والتصوير هنا من أروع ما جاد به الشعر العربي،، فالأنثى تتوحد مع الأرض المعشبة والمخضلة بماء المطر، على أنّ رائحة الأنثى أطيب نشرًا من رائحة الأرض بعد المطر وعند الأصيل، وقريب من هذه الصورة ما قاله قيس ابن الخطيم: فما روضة من رياض القطا كأنّ المصابيح حوزانها بأحسن منها ولا مزنة دلوح تكشّف إدجانها وعمرة من سروات النساء تنضح بالمسك أردانها وقريب منها أيضا ما قاله أمرؤ القيس: إذا قامتا تضوّع المسك منهما نسيم الصبا جاءت بريح القرنفل والأعشى قال قبل قليل: إذا تقوم يضوع المسك أصورة… وهذا التناص يعتبر دليلاً على وجود الشعر الجاهلي، ويبدد الشك فيه ثمّ نأتي إلى هذه الأبيات وهي سرد محض: علقتها عرضا وعلقت رجلا غيري وعلّق أخرى غيرها الرجل وعلقته فتاة ما يحاولها من أهلها ميت يهذي بها وهل وعلقتني أخيرى ما تلائمني فأجمع الحبّ حبا كله تبل فكلنا مغرم يهذي بصاحبه ناء ودان ومحبول ومختبل وهل وهلا: ضعف وفزع وجبن، التبل: الخبل، محبول: مشدود بالحبل أو الذي نشب في الحبالة أي المصيدة، وهذا ليس حباً حسياً كحب أمرئ القيس أو عذرياً كحب المرقش، وإنما كما قال خبل وتبل، ثمّ نأتي إلى أبيات القصيد وكلها سرد يا من رأى عارضاً قد بتّ أرقبه كأنما البرق في حافاته الشعل له رداف وجوز مفأم عمل منطّق بسجال الماء متصل لم يلهني اللوم عنه حين أرقبه ولا اللذاذة من كأس ولا الكسل فقلت للشّرب في درني وقد ثملوا شيموا وكيف يشيم الشارب الثمل؟ برقا يضئ على أجزاع مسقطه وبالخبيّة منه عارض هطل يسقي ديارا لها قد أصبحت عزبا زورا تجانف عنها القود والرسل العارض: السحاب المطل وفي القرآن الكريم: "هذا عارض ممطرنا" الرداف: السحاب الذي ترفده سحابة خلفه، وجوز كل شيء وسطه، المفأم: الواسع، عمل: دائم البرق، منطّق: قد أحاط به فصار بمنزلة المنطقة.. والأبيات تنمّ عن سمة أو دأب للجاهليين وهو ترقب المطر، أو الدعاء بهطوله، فهو يعني عودة الحبيبة إلى ديارها، وهو ما يعبر عنه بالذات البيت الأخير: يسقي ديارا لها قد أصبحت عزبا زورا تجانف عنها القود والرسل وقد رأينا لبيد يقول: رزقت مرابيع النجوم وصابها ودق الرواعد جودها فرهامها من كلّ سارية وغاد مدجن وعشية متجاوب إرزامها والنابغة الذبياني يقول: سرت عليه من الجوزاء سارية تزجي الشمال عليه جامد البرد وأوس ابن حجر يقول: يا من لبرق أبيت الليل أرقبه في عارض كمضيء الصبح لمّاح ولا ندري هل التي يرجو الأعشى عودتها هريرة أم واحدة أخرى؟ قيس ابن الخطيم الأوسي وهو شاعر الحجاز في الجاهلية هو وحسان ابن ثابت، على أنّ هذا الأخير من الخزرج، وقد اشتهر قيس ابن الخطيم لأنه تتبّع قاتلي أبيه وجده حتى قتلهما، أي أنه صاحب سيف وقلم، ومن صناديد الجاهلية، وله في وقعة بعاث التي كانت بين الأوس والخزرج أشعار كثيرة، وأدرك الإسلام ولكنه لم يسلم، وقتل قبل أن يدخل فيه، ويغلب السرد على الكثير من أشعاره ومنها تبدّت لنا كالشمس تحت غمامة بدا حاجب منها وضنّت بحاجب وكنت أمرأ لا أبعث الحرب ظالما فلمّا أبوا أشعلتها كلّ جانب رجال متى يدعوا إلى الموت يرقلوا إليه كإرقال الجمال المصاعب أجالدهم يوم الحديقة حاسرا كأنّ يدي بالسيف مخراق لاعب ولمّا هبطنا الحرث قال أميرنا حرام علينا الخمر مالم نضارب فسامحه منّا رجال أعزّة فما برحوا حتى أحّلت لشارب الإرقال: ضرب من الخبب المرقش الأكبر وقد ورد ذكره غير مرة في هذا النثار، وقد قلت وهو ما أحسبه أنه من الشعراء العذريين،، وكانت له صاحبة هي أسماء بنت عوف، وكان أبوها زوجها رجلاً وهو غائب، فلمّا رجع وعرف ذلك، خرج يريدها ومعه رجل من غفيلة، فلمّا صار في بعض الطريق مرض، فتركه الغفيليّ في غار، وانصرف إلى أهله، فخبرهم أنه مات، فأخذوه وضربوه حتى أقرّ فقتلوه، ويقال، وهو ما أتحفّظ عليه، أنّ اسماء وقفت على أمره، فحمل إليها، وقد أكلت السباع أنفه، وقيل أيضاً أنه كتب هذا الشعر على رحله: ياراكبا إمّا عرضت فبلغن أنس ابن عمرو حيث كان وحرملا لله درّكما ودرّ أبيكما إن أفلت الغفليّ حتى يقتلا ولهذا قتل الغفلي، ومن شعره وفيه سرد: سكنّ ببلدة وسكنت أخرى وقطعت المواثق والعهود فما بالي أفي ويخان عهدي وما بالي أصاد ولا أصيد أناس كلما أخلقت وصلا عناني منهم وصل جديد كما يقول: ومنزل ضنك لا أريد مبيته كأنّي به من شدة الروع آنس وتسمع تزقاء من البوم حولنا كما ضربت بعد الهدوء النواقس ولما أضأنا النار عند شوائنا عرانا عليها أطلس اللون بائس نبذت إليه حزّة من شوائنا حياء وما فحشي على من أجالس فآب بها جذلان ينفض رأسه كما آب بالنهب الكميّ المحالس الكمي: الشجاع المستتر بالدرع، المحالس: قد تكون مشتقة من الحلس، وهو الرجل الشجاع. المرقش الأصغر وطالما تحدثنا عن المرقش الأكبر فلنتحدث عن المرقش الأصغر، واختلف الرواة في اسمه، فقال بعضهم إنه ربيعة بن سفيان بن مالك ابن ضبيعة، وقال آخرون إنه حرملة بن سعد، وهو ابن أخ المرقش الأكبر، وعم طرفة بن العبد،، ويقال إنه من أشهر عشاق العرب وفرسانهم، ويصنف حسب كتب الأدب من الشعراء العذريين، وقد أحب جارية فاطمة بنت الملك المنذر واسم الجارية هند، ولا نعرف على وجه الجزم، هل أحبها حباً عذرياً، وهل نال منها وطرا أم لا؟ ويقول فيها: خليليّ عوجا بارك الله فيكما وإن لم تكن هند لأرضكما قصدا وقولا لها ليس الضلال أجازنا ولكننا جزنا لنلقاكم عمدا وبيته هذا يعتبر من الشوارد فمن يلق خيرا يحمد الناس أمره ومن يغو لا يعدم على الغيّ لائما ومن شعره الذي يذكر فاطمة التي قال البعض إنه أحبها أيضا وفيه سرد: صحا قلبه عنها على أنّ ذكرة إذا خطرت دارت به الأرض قائما ألا حبّذا وجه ترينا بياضه ومنسدلات كالمثاني فواحما أفاطم لو أنّ النساء ببلدة وأنت بأخرى لاتبعتك هائماً