ميلانو: راشيل دوناديو* ظلت الكتب تتوالى عليه لسنوات، من طبعة ثمينة لكتب توماس مور ومجلدات كسيت أغلفتها بالجلد تعود إلى عصر النهضة وبعض الكتب المسروقة من مكتبة غيرولاميني في نابولي التي تعود إلى الحقبة الباروكية (الحركة الثقافية في العصر الذي بدأ في نهاية القرن السادس عشر وانتهى في منتصف القرن الثامن عشر) وتقدم كهدايا لمستشار رئيس الوزراء السابق سلفيو برلسكوني. لكن المستشار مارسيلو ديللوتري، وهو عضو سابق في مجلس الشيوخ الإيطالي، يواجه الآن أكبر فضائح سرقة كتب في التاريخ. وقال ديللوتري في مقابلة نادرة للصحيفة، إنه أعاد كل الكتب إلا كتابا واحدا بمجرد علمه أنها مسروقة. وحاول ديللوتري النأي بنفسه عن الشخصية المحورية في القضية، مارينو ماسيمو دي كارو، المدير السابق للمكتبة، والذي يخضع حاليا للمحاكمة في نابولي بتهمة المسؤولية عن سرقة واسعة النطاق للكتب التاريخية، رغم اعتراف ديللوتري بتلقيه الكتب من دي كارو لسنوات، وأنه ساعده في حياته المهنية. وقال أثناء لقاء معه في مكتبة فيا سيناتو، المؤسسة الخاصة التي يديرها: «عندما بدأت عملية الاعتقالات أصبت بدهشة كبيرة». لكن تعيين دي كارو، عاشق الكتب الذي لم يحصل على شهادة جامعية، لقيادة واحدة من أهم المكتبات في البلاد ربما لم يكن ممكنا من دون دعم ديللوتري. هذه العلاقة التي تجمع الرجلين تدل على مدى الاقتران بين السياسة والثقافة في إيطاليا. وقال فابريزيو جوفي، رئيس جمعية باعة الكتب الأثرية الإيطالية: «هناك أناس مثل دي كارو يسرقون، كانوا موجودين على الدوام وسيظلون موجودين. والسؤال هو كيف تمكن من الوصول إلى تلك المكانة ونال تلك الوظيفة العامة دون شهادة جامعية؟». حكم على دي كارو بالإقامة الجبرية سبع سنوات بتهمة الاختلاس في قضية أخرى في مارس (آذار). ويحاكم الآن مع عشرات آخرين بتهمة التآمر الجنائي. وقد ألقي القبض عليه مرة ثانية في ربيع عام 2012، بعد عام من توليه منصب مدير مكتبة غيرولاميني، بعد العثور على آلاف الكتب في وحدة تخزين في فيرونا تعود ملكيتها إلى مساعدين له، وأخرى جرى بيعها إلى تجار كتب في إيطاليا وأماكن أخرى. خلال المحاكمة الأولى، قال دي كارو إنه كان ينوي بيع وحدات التخزين لجمع الأموال للحفاظ على مكتبة والمؤسسة الحكومية التي يديرها النظام الديني. ويجري التحقيق مع ديللوتري في قضية غيرولاميني، وكذلك في قضية منفصلة تنطوي على رشى في عقود الطاقة التي اتهم فيها دي كارو أيضا. ولكن لم توجه اتهامات ديللوتري بارتكاب جرم في تلك التحقيقات. لا تزال تبدو في نبرة ديللوتري لهجة باليرمو على الرغم عشرات السنين التي أمضاها في ميلانو في عمله إدارة الإعلانات في وسائل الإعلام التي يملكها برلسكوني وتأسيس حزب فورزا إيطاليا عام 1994 مع برلسكوني وآخرين. بعد أكثر من 15 عاما قضاها كنائب في البرلمان، خسر ديللوتري مقعده في مجلس الشيوخ في ربيع هذا العام بعد أن أدانته محكمة استئناف بصلة بعصابات المافيا. ومن المتوقع أن تصدر أعلى محكمة في إيطاليا الحكم النهائي في القضية قريبا. وعلى الرغم من شهرة ديللوتري (72 عاما)، بين الإيطاليين كشخصية مؤثرة ساعد برلسكوني في تحقيق الانتصار الانتخابي في صقلية، فإنه هو أيضا القارئ الذي أسس معرض الكتاب السنوي للكتب العتيقة في ميلانو الذي نشرت مؤسسته العلمية طبعات من الروايات القديمة كان من بينها طبعة عام 1893 لرواية مكيافيللي «الأمير»، بشرح نابليون، ومقدمة من لبرلسكوني. وأكد ديللوتري أن ما يجمعه بدي كارو هو حبهما للكتب، لكنه أعجب أيضا بدهاء دي كارو التجاري. (عمل دي كارو عند إحدى مراحل حياته مستشارا لقطب الطاقة الروسية) وفي عام 2010، أوصى ديللوتري وزير الزراعة جيانكارلو غالان، بتعيين دي كارو مستشارا في مجال الطاقة المتجددة. وفي إيطاليا، التي عادة ما تتفوق فيها العلاقات والمحسوبية على الجدارة، أسهم دعم ديللوتري في تغيير مسار حياة دي كارو. فعندما انتقل غالان إلى وزارة الثقافة، تبعه دي كارو ليتولى منصب مدير مكتبة غيرولاميني. وأوضح ديللوتري أنه التقى دي كارو «لأنه كان صاحب مكتبة، بعده بائعا للكتب النادرة»، مضيفا: «كان على دراية جيدة، وتخصصه في أعمال غاليليو، وكان يوجه لي الدعوات دائما، قال لي: تعال وانظر، أنا سأريك ما أفعله، عمل غير عادي من الترميم». وقلت له: «رائع، ماسيمو، رائع. يجب أن تنحت تمثالا في مكتبة غيرولاميني، لأننا نديرها. كنت مقتنعا بأن الأمر من هذا القبيل، كما تعلم؟». خلال المحاكمة الأولى، اعترف دي كارو للمدعين بأنه أعطى ديللوتري الكثير من الكتب من مكتبة غيرولاميني، بما في ذلك أحد كتب الفيلسوف الإيطالي جيامباتيستا فيكو. وعندما سأله ممثلو الادعاء إن كان ديللوتري كان على بينة من مصدرها، أجاب دي كارو: «نعم». * خدمة «نيويورك تايمز»