×
محافظة مكة المكرمة

توقعات بهطول أمطار رعدية متوسطة على الرياض وجدة ومكة والمدينة مساء اليوم

صورة الخبر

إن استقبال الميزانية السنوية كل عام يكون بالبشرة والترحاب أملا في حاضر أكثر تميزاً من الأمس، وفي غدٍ أفضل وأحلى من الحاضر. وذلك اعتماداً على بشائر الخير التي تزفها أرقام الميزانيات المتعاقبة. فهل نرى مصداقية تنفيذ مشروعات ميزانية هذا العام؟ نتمنى ذلك ليزول القلق الذي أصبح هاجس مسؤولي الجهات الحكومية ومصدر أسفٍ وحزن للمواطن الموعود بنصيب طيب من ثمار تلك المشروعات الكبيرة والرائعة. ربما بررنا خيبة الأمل في تعثر مشاريع سابقة بمبرراتٍ قد تكون هي السبب الحقيقي في التأخر، وإن كان بعض تلك المبررات مقبولا، يمكن أن يُعتذر به وعليه نوافق من يستنكر أن آليات نظام المنافسات والمشتريات بحاجةٍ إلى تطوير وتحديث يناسب متانة وقوة الاقتصاد، ولا يعقل أن يعمل بنظامٍ عفا عليه الزمن منذ ثلاثين سنة، كما أن الاستعانة بكفاءة وخبرة الشركات العالمية، مع إعادة النظر في آلية ترسية المشروعات الحكومية ودفع متأخرات مستحقات المقاولين أمور هامة ولا غبار عليها. أما تعثر المشروعات التي تحملها الميزانية الجديدة فهذا أمر ليس منطقيا أبدا، فكيف يكون منطقيا لميزانية ليست مسبوقة منذ 83 سنة، فحدوث تعثرٍ في مثل هذه الظروف يشير إلى وجود خللٍ إداريٍ كبير، يستحق المحاسبة لأنه لا يليق بميزانيةٍ حُظيت بالإشادة العالمية وثمنها صندوق النقد الدولي، ومع هذا تتوالى الأعذار الغريبة والمريبة. فهل يُعقل أن يُعتذر بعدم الاعتناء بإعداد مواصفات المشاريع وشروطها وإسناد المشروعات بالباطن؟ بالإضافة لضعف الإشراف عليها! فهذه الأعذار لا يجب أن تكون مبرراً للتقصير المؤدي للتعثر في بلدٍ ينعم باقتصادٍ قوي بفضل الله عزوجل. وهذا يندرج في بؤرة الفساد عدو الاقتصاد، الذي يفتك بأقوى الاقتصادات، بعد فتكه بالنفوس المريضة. أما إذا كانت الناحية المادية هي التي تجعل المقاولين عاجزين عن الوفاء بمتطلبات المشروع المكلفين به نظرا لقلة السيولة لديهم وتحاشيهم الاقتراض من الجهات الممولة، لينتظر صرف المستخلصات التي تتأخر. فهذا يمثل بداية التعثر لمقاول هو في الأساس يفتقد أهم المقومات المؤهلة لتنفيذ ذلك المشروع، حيث كان من المُفترض أن يكون متسلحاً ومستعداً لإنجازه بما لا يقل عن 30 في المائة من قيمة المشروع فإذا تصدى للعمل وهو لا يملك هذه النسبة يكون قد خدع نفسه وظلم من وثقوا به، ويكون بهذا قد خطا الخطوة الأولى في طريق الفساد وكتب لنفسه تاريخاً غير مشرفٍ مهنياً في عالم المقاولات، وأصبح يمثل جهة غير موثوق بها ولا يمكن التعامل معها مجدداً مما يصرف النظر عنه وعن أمثاله إلى المقاول الأجنبي والشركات العالمية القادرة على تنفيذ تلك المشروعات في موعدها المحدد. فمثل هذا المقاول يحاول أن يفيد ويستفيد دون أن يعد العدة التي تخدم طموحاته فيخيب أمله، وتكون النتيجة أنه لم يستفد ولم يفد الجهة التي ظنت فيه القدرة وهكذا تتبخر آماله التي يتمثل أهمها في عجزه عن الوفاء بالتزامه وضياع جهده ووقته وسمعته المهنية في هذا السوق الذي يبحث عن الأفضل. إن هذه النوعية هي مثال لكثيرين والدليل على ذلك أن 25% من إجمالي عدد المشروعات تعثر وتأخر تنفيذه ويعزي الخبراء وجود هذه النسبة المخيفة إلى عدم كفاءة أسلوب إدارة المشروعات الحكومية بسبب مشكلات وعوائق إجرائية وإدارية وفنية وهذا يدل على عدم تحقيق التنمية وعدم الاستفادة القصوى من الميزانية المالية، لعدم تطبيق مستوى الجودة الشاملة ومن الأسباب التي غُفل عنها طويلا. وأخيرا تنبهت الدولة لضرورة تقنينها أن بالمملكة أكثر من (170) ألف مهندس من بينهم (140) ألف مهندس غير سعودي، مما دفع الدولة للتوجيه بعدم منح الإقامة أو تجديدها لأي مهندسٍ مقيم، إلا بعد تسجيله مهنياً للجمعية السعودية للمهندسين وبعد التأكد من الجامعة التي تخرج منها ليُعطى الدرجة المهنية التي تناسب شهادته، فكان القرار صائباً والتوجيه حكيماً حتى يُعرف المهندس الأصلي من المزيف في زمن أصبح لا فرق فيه بين استخدام هذه العبارة في أوساط المهن البشرية أو قطع الغيار وحتى تكتمل صورة المشكلة. فقد تضمن ملف نزاهة (الهيئة القومية لمكافحة الفساد) بالأرقام حقيقة التعثر في تنفيذ مشاريع المراكز الصحية مثلاً، فقد توقف العمل في (460) مركزاً صحياً من أصل (860) مركزاً بتكلفةٍ إجمالية تُقدر بنحو مليارين و(970 مليونا) والتي مرت على توقيع عقودها أكثر من ست سنوات مع خمس شركاتٍ وطنية وفي خطوةٍ إيجابية طالبت نزاهة بالتحقيق مع المتسببين في هذا التعثر ومحاسبتهم. وبتوقف العمل تعرضت التجهيزات الطبية للتلف بعدم تشغيلها لفترة طويلة، علما بأن تكاليف هذه التجهيزات والأثاث تضمنتها العقود بنسبة (20) في المائة، والأدهى من ذلك أن أمر التنفيذ وُكل لمقاولين غير متخصصين في الأعمال الطبية الفنية، التي كان من المفترض أن توكل لشركاتٍ متخصصة. وطالت ظاهرة التعثر المشاريع المدرسية أيضاً رغم تقليصها لستة مشاريع من (14) مشروعاً مما دفع وزير التعليم لسحب أربعة مشاريع من المقاولين بنجران. إن كل تعثرٍ وتقصير يعني إهدار المال وضياع الوقت والجهد، بعدم الالتزام بمراحل الجدول الزمني لأسبابٍ قد تكون إدارية أو فنية أو مالية، لهذا فعلى الجهات المنسية أن تُحسن الاختيار حتى لو لزم الأمر لإسناد تنفيذ تلك المشاريع لشركاتٍ عالمية قادرة على تحقيق المواصفات المطلوبة ويبقى السؤال الحائر هل تلك المشاريع متعثرة أم مُعثَّرة ؟