×
محافظة المنطقة الشرقية

مُبتَعَثُنا: ملاحظات ليست أكاديمية

صورة الخبر

بدأ العد التنازلي لانتخابات ولاية ساوث كارولاينا التي تمثل البداية الحقيقية لانتخابات الرئاسة الأميركية نهاية الشهر الجاري، ومعها بدأت المعركة حول أصوات الأقليات، فولايتا أيوا ونيوهامبشير رغم كثافة الاهتمام بهما كونهما في بداية السباق، لا تشكلان عينة ممثلة لعموم ناخبي الولايات المتحدة، فالأغلبية الساحقة من سكان الولايتين من البيض (91 % في أيوا و94% في نيوهامبشير). أما ساوث كارولاينا فهي من ولايات الجنوب الأميركي التي شهد تاريخها فصولاً من العبودية ثم العنصرية المقيتة ويشهد حاضرها على أن المسألة العرقية هي الحاضر الغائب في كل تفاعلاتها السياسية والاجتماعية، ففي شهر يونيو الماضي، ارتكب العنصري الأبيض ديلان روف مذبحة داخل كنيسة تاريخية للسود بمدينة تشارلستون بالولاية قتل فيها تسعة من السود بمن في ذلك قس الكنيسة. وقبل تلك الواقعة بشهرين، قام شرطي أبيض بقتل رجل أسود غير مسلح بعد توقيفه لمخالفة مرورية. وقد أدت الواقعتان إلى رفع مستوى التوتر العرقي في الولاية الذي كان إحدى تبعاته إزالة علم الكونفدرالية من أمام مبنى المجلس التشريعي بها، بما يمثله من تاريخ عنصري مقيت. والتوتر العرقي هو الذي يجعل انتخابات الرئاسة تدور في كل من الحزبين الكبيرين في عالمين مختلفين تماماً، ففي الحزب الجمهوري، يتمترس بعض البيض في الولاية وراء لغة شفرية تخفي عنصرية لا تخطئها العين مثل تعبير استعادة بلدنا، بمعنى استعادتها من مكتسبات الأقليات، واستعادتها من الرئيس الأسود، واستعادتها من ذلك المستقبل الديموجرافي الذي سيحول البيض إلى أقلية بعد عقود قليلة. أما في الحزب الديمقراطي، فالمعركة مختلفة تماماً، فهي معركة بين مرشح اشتراكي ديمقراطي، برني ساندرز، يتعهد بمواجهة وول ستريت والدور السياسي المذهل للمال في السياسة الأميركية، ومرشحة يمين الوسط، هيلاري كلينتون، التي تبعث برسالة مؤداها أن تاريخها السياسي وخبرتها الطويلة تجعلها قادرة علي مواجهة ما يريد مواجهته منافسها بدرجة أكثر فاعلية. والحقيقة أن هيلاري تضع الكثير من الأمل علي ولاية ساوث كارولاينا بعد أن خسرت الكثير في كل من أيوا ونيوهامبشير، ففوزها في أيوا لم يتجاوز 0،2%، بينما هزمها ساندرز بفارق يزيد عن 20% في نيوهامبشير. ورهان هيلاري كلينتون على ساوث كارولاينا هو رهان علي أصوات السود الذين يمثلون نحو 27% من سكان الولاية ولكن يمثلون نحو 55% من الناخبين الديمقراطيين بها. و كلينتون تراهن على السود لسببين رئيسين أولهما أن برني ساندرز لم يفلح حتى الآن في إقناع سود أميركا بأنه الأفضل لمصالحهم، وثانيهما يتعلق بالعلاقة الوثيقة للسود ببيل كلينتون منذ كان رئيساً للولايات المتحدة. والحقيقة أن تلك العلاقة تحتاج لتحرير، فبيل كلينتون له بالفعل رصيد ضخم لدى السود رغم أنه من حيث السجل السياسي لم يقدم لهم شيئاً يذكر طوال فترتي رئاسته، فهو الذي أطلقت عليه أديبة نوبل السوداء توني موريسون أول رئيس أسود لأميركا، قبل سنوات من ظهور أوباما على الساحة السياسية، فبيل كلينتون يأتي من أصول متواضعة وعاش سني طفولته وشبابه في منطقة فقيرة، ما جعل السود يشعرون بأنه يفهم معاناتهم. وهو عزف الساكسفون أثناء حملته الرئاسية في 1992، الذي يمثل رمزاً سياسياً أدركه السود فوراً. وكارزما بيل كلينتون واختلاطه القوي بمجتمع السود خلقت له شعبية جارفة في أوساطهم، لكن سجله السياسي خلا من أي إنجاز فعلي لصالحهم، بل على العكس، كانت رئاسته هي بداية كارثة الأعداد المذهلة من السود القابعين وراء قضبان السجون بعد إصداره قانوناً يمينياً للجريمة عام 1994. وفي عهد الرجل أيضاً صدر تعديل قانون الرفاهية الاجتماعية الذي كان يعين ملايين الفقراء الأميركيين، لا السود وحدهم، علي مواجهة العوز والفقر. لذلك، تدور اليوم معركة شرسة داخل الحزب الديمقراطي بين مؤيدي هيلاري وبين تقدميين سود وبيض، رجال ونساء، يحذرون السود من التصويت لهيلاري كلينتون ويدعونهم لدعم ساندرز. ورغم أن البعض يرفضون تحميلها مسؤولية سجل زوجها السياسي، إلا أن هيلاري لم تكن مجرد قرينة للرئيس بالمعني التقليدي الذي عرفته أميركا في تاريخها، فهي كانت شريكة في الحكم، ولعبت دوراً محورياً في إنجاز بعض التشريعات ولها تصريحات وقتها تكشف عن دعمها لمشروعي قانون الجريمة والرفاهية الاجتماعية. وليس خافياً أن هيلاري تعاني مأزقاً واضحاً منذ بداية حملتها للرئاسة أسوأ من ذلك الذي واجهته في حملتها الرئاسية عام 2008، وكان أداؤها في ولايتي أيوا ونيوهامبشير كاشفاً، فأصوات الشباب ذهبت في أغلبيتها الساحقة لمنافسها برني ساندرز. ولم تفلح هيلاري في نيوهامبشير في الاحتفاظ حتى بأصوات الطبقة العاملة البيضاء ولا المرأة الشابة. وهي الأصوات التي كانت في خانتها بامتياز حين نافست على منصب الرئاسة في 2008. السؤال، هل ينقذ سود أميركا حملة هيلاري كلينتون؟