"ما يدعو للعجب أن أبرز مظاهر الفرقة بين أسلوبي الشعر القديم والحديث ليست ناجمة، كما هو الاعتقاد السائد, عن التحول من التعبير الواضح إلى لغة الأحاجي، وإنما هي ناجمة عن الانتقال من الصيغة الشكلية نسبياً إلى البساطة وصراحة التعبير، ما أدخل الشعر إلفة لا صنعة فيها ولا تكلف، وإدراكا لحقائق الحياة اليومية بصورة لم تكن معهودة من قبل " ( روزنتال) *** أهمية الشعر قبلا وبعداً، تكمن في قدرته على التوغل في ذات المتلقي، وذلك بإعطائه صورة صادقة عما يمور ويتفاعل في نفس المبدع من الشحنات التي يجسدها في شرائح جميلة شادة تَلقى القبول الفوري، وتحتّم على المتلقي الآخذ الوقوف والتأمل، وإعادة المصافحة بالعين والقلب، وحسبانها من المكتسبات المضافة إلى الكوامن والغرائز. لهذا فالشعر حرقة دائمة ودائبة لا تستقر، إذ إنه يثور أبداً لكي يستكشف ويستشف المستقبل والآتي . ويجسم الآمال، والطموحات الإنسانية، وبأسلوب محبب وقريب من النفس، فمن هنا كان هو الفن الذي يعنى بالدراسات من الناقدين، أو من الشعراء أنفسهم، أو ممن هم قربهم روحاً من فنهم هذا، والذين في الأغلب مايكونون من محترمي الشعر والمتعلقين بالإبداع السامي للتجدد والتحرك في لقطات متحركة للحياة وصورها المتنوعة، ولا يلغي دورهم ممن حاولوا وأضافوا مفاهيم شعرية من النقاد المتمكنين الذين خبروا الشعر والشعراء بعد درس وتمحيص، وغربلة للأمور العلمية والفنية، ومن كان دخوله إلى ميدان الإضافة والتوجيه إلى الطريق السليم والسوي، بالرغم من أن الشعر يقود الشاعر ويفضي به إلى الميادين والاحتياجات الاستبطانية التي يجب أن يكون الدخول إلى ساحتها وتصويرها ووضعها في الأطر الجمالية اللامستقرة، ولن تقف عند حد معين حيث الجديد الملازم لحياة الإنسان. الحياة بطبعها مُحَرِّكَةٌ ومُتَحَرَّكَة، والشاعر إنسان همه التَّخطي والتَّجاوز.. شاء أو لم يشأ، فإنه لابد سائر في اتجاهه إلى عملية الكشف، متى ما كان يعي دوره، وما من شاعر حقيقي إلا ويدرك إلمامه بدوره معنى ومبنى، حيث يفرض عليه أن يبوح، إذْ إنه في حالة تفاعل مع المحيط ويحمل شهوة الإصلاح بالتعبير عن مكنون الذات المتمازج مع المكنونات الاجتماعية العامة، فيبسط مالديه من آمال في الساحة لتكون ملكا للآخرين في مشاركة وجدانية ماكنة وحتمية، وليرتاح من عناء حِمْله الذي ارتضاه وأحبه وعمل من أجل تنميته، ولكونه تجشَّم مصاعب الحمل والسير به أنى توجه لايرتاح، ولا يقر له قرار ويرى أنه في الهامش يدور في دائرة (صفر)، وقد يتخلى عن الدور إذا كان غير مكتمل ليبحث عن دور آخر غير أن الهاجس يظل ماثلاً وملازما للذات الشاعرة، ويعتمل فيها حتى لو انحسرت عنه الأضواء، فإن انغلاقه، أو انعتاقه يدفعان بالأصيل إلى أن يمسح علامات وإشارات الإحساس بالخيبة ويحولانها إلى أن تعاود طرق باب الإنجاز بقوة، بعد مرحلة يُطلق عليها البعض من النقاد "الاحتباس الشعري" . الدراسات لن تقف، وإطارها في اتساع دائم، ويستوعب المزيد من المعارف الثقافية والعلمية والجمالية كصبغة أساسية، والاكتشافات التي تكون منابعها من الشعر الذي يقدمه الشعراء، هو البرهان على أهمية الشعر، وينبئ عن ذلك ما ينشر في العالم قاطبة من أقصاه إلى أقصاه في توال مستمر من الدراسات، بمختلف معالجاتها ووصفاتها للشعر وعن الشعر، إذن محورها الشعر لكونه القمين بأن يُدرس ويُفعل من أجله الكثير لأن النفس الإنسانية تواقة للمتفاعل والمتعامل معها في شتى الصور الدالة على البرهان وعلى المعايشة وإعلان الذات كفاعلة في الحياة وليست على الهامش، وحتى لو كانت على الهامش، فهي تشغل المكان الشاغر الخاص بها في الحياة الذي تشغله بجدارة " ر- أ " هذا ليس في الشعر العربي فقط، فهو يدور في الفلك الإبداعي الشعري العالمي المتشابك الأطراف تواشجا وتفاعلاً حسب الطريقة التعبيرية السائدة والمتمكن منها كل ممارس للعطاء.