على مسافة أمتار من معبر أونجو بينار (باب السلامة) يقف عشرات السوريين ممن دخلوا الأراضي التركية قبل أيام، بينهم مرضى ومرافقوهم، علّ سلطات المعبر التركي تسمح لهم بالعودة إلى سوريا، لكن دون جدوى، فالسلطات لا تسمح بذلك، بل وترفض بشدة. في الصباح الباكر، وبعد خروجها من مستشفى مدينة كيليس جنوب تركيا، وصلت سيدة مسنة على كرسي متحرك إلى المعبر الحدودي البري المغلق، ومعها ابنها الذي دخل معها يوم الجمعة، عبر سيارة إسعاف أقلتهم من الأراضي السورية إلى تركيا، اليوم تريد هذه العجوز العودة إلى قريتها، أو على الأقل دخول الأراضي السورية، القريبة جدا من حيث المسافة، البعيدة من حيث إمكانية العبور إليها. قالت باختصار: «لا أريد البقاء أكثر هنا، أريد العودة إلى سوريا»، مضيفة: «شكرا لأنهم أدخلوني المستشفى، لكنني أريد العودة إلى سوريا». بعد قليل، سمح لها بعبور الحاجز، بعد أن اضطر ابنها وابن أختها إلى حملها والسير باتجاه البوابة الحدودية، هناك سمح لهم الشرطي المسؤول بالدخول، وبعد إعطاء العجوز السورية قنينة ماء للشرب، وصلت سيارة إسعاف لتقلها وتختفي في العمق السوري، وقد تم نقلهم إلى المخيم الذي أنشأته تركيا حديثا. العجوز كانت أوفر حظا من العشرات الذين منعتهم الشرطة من الاقتراب من الحاجز الحدودي. هذه المرة أغلقت تركيا وبإحكام شديد أبوابها أمام عشرات الآلاف من السوريين الفارين من الغارات الجوية التي تشنها وبكثافة مقاتلات سلاح الجو الروسي، وتقدم قوات النظام على إثرها صوب السيطرة على ريف حلب الشمالي. وبدلا من السماح للاجئين بتخطي الحدود، بدأت أنقرة بإنشاء مخيم جديد لإيوائهم، ضمن الحدود السورية، مخيم يضاف إلى ثمانية مخيمات أنشئت سابقا على الأراضي السورية. عبد الجبار محمد، الذي دخل الأراضي التركية يوم السبت الماضي، مرافقا لجاره الذي أصيب بجروح بالغة بعد القصف الذي تعرضت له قريتهم، ترك زوجته وأطفاله الخمسة على الجانب الآخر من الحدود، اليوم وبعد أيام من انتظار دخول عائلته إلى تركيا، أصيب بالـ«إحباط»، وقرر العودة إلى سوريا «بحثا عن أسرته». قال عبد الجبار في حديث لـ«الشرق الأوسط»، على مقربة من بوابة معبر أنجو بينا (باب السلامة)، إن «إصابة أولادي لم تكن بالغة، لذا تركتهم في مستشفى الهلال الأزرق على الحدود، ودخلت برفقة جاري الذي تعرض لإصابة بالغة بسبب القصف الروسي الذي تعرضت له بلدتنا بريف حلب»، مضيفا: «منذ أيام وأنا أنتظر عائلتي لكن دون جدوى». ويطالب محمد سلطات المعبر الحدوي بـ«السماح له العبور إلى سوريا»، مضيفا: «أريد الذهاب للبحث عن زوجتي وأطفالي الذين يبلغ أكبرهم سنا 11 عاما». ويتساءل محمد: «لماذا لا يسمحون لنا بالمغادرة.. وفي الوقت ذاته لا يسمحون بدخول العالقين على الحدود؟»، مؤكدا وجود «أكثر من 60 ألف مدني على الحدود التركية». وقبل أن يتركنا ويذهب، أنهى اللاجئ السوري كلامه بجملة مختصرة: «من نجا من الموت بسبب القصف سيموت بسبب البرد على الحدود». أما محمد علي أحمد، وهو من سكان مدينة دير الزور، فهو الآخر يريد العبور إلى سوريا، للقاء عائلته العالقة على الحدود. محمد قال لنا: «الموت هنا وهناك، في تركيا يمكن أن نموت جوعا بسبب قلة فرص العمل وغلاء الأسعار، وفي سوريا قد نموت بسبب الجوع أو القصف». وزير الصحة في الحكومة السورية المؤقتة محمد وجيه جمعة، قال في تصريح صحافي له عند المعبر الحدودي: «ليس المهم فتح الحدود أمام اللاجئين، بل نطالب بوقف آلة القتل الوحشية الروسية»، متهما المجتمع الدولي بـ«عدم امتلاك الإرادة لإيقاف روسيا». وأضاف جمعة أن «المجتمع الدولي والأمم المتحدة أمام اختبار عسير، لتثبت صدقها في الوقوف إلى جانب الشعب السوري». وتوقع المتحدث باسم الحكومة التركية نعمان قرتولمش أن يجبر «السيناريو الأسوأ» نحو 600 ألف سوري على التوجه صوب الحدود التركية، وأن تركيا ستفعل ما بوسعها لمساعدتهم خارج أراضيها». وانتقدت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل روسيا خلال زيارتها إلى أنقرة، يوم الاثنين، بسبب عمليات القصف في سوريا التي أجبرت عشرات الألوف من المدنيين على الفرار، وأشارت إلى أن ما تقوم به روسيا يمثل انتهاكا لقرار مجلس الأمن الدولي الذي وقعت موسكو عليه في ديسمبر (كانون الأول).