كما نقلت وسائل الإعلام، سيعقد أعضاء مجلس الأمن (الجمعة الموافق 6 فبراير 2016) جلسة مشاورات مع الموفد الدولي الخاص إلى سوريا ستيفان دي ميستورا، الذي سيقدم بدوره تقريراً إلى ممثلي الدول الـ 15 في مجلس الأمن الدولي عن الأسباب التي دفعت إلى تعليق مفاوضات جنيف حول سوريا. وستكون الجلسة مغلقة بناءً على طلب فنزويلا التي تترأس مجلس الأمن لهذا الشهر. تجدر الإشارة هنا إلى أن دي ميستورا كان أعلن في وقت سابق (تعليقاً مؤقتاً) للمفاوضات غير المباشرة بين وفدي الحكومة والمعارضة السوريين، حتى 25 فبراير، منوهاً إلى أنه (لا يزال هناك عمل يتعين القيام به). ومن ثم فنتائج تلك الجلسة ستكون أحد بنود اللقاء المرتقب الذي يتحدث عنه دي ميستورا. ترفع هذه النهاية شبه الغامضة التي وصل إليها جنيف3، علامة استفهام كبيرة بشأن محادثات الأزمة السورية: هل هذا ترحيل للأزمة بفضل صعوبة العراقيل التي تواجه المجتمعين في دمشق، أم أنه إعلان صريح بفشلها ووصولها إلى طريق مسدود، ام أنها استراحة محارب مؤقتة ترجع بعدها المعارك من جديد، وتعود الأزمة إلى نفقها المظلم؟ الإجابة على هذا التساؤل المعقد، والذي يمكن أن يوصف بأنه سؤال المليون دولار، تستدعي التوقف عند بعض المنعطفات المؤثرة، التي عرفتها مؤخراً مسيرة الأزمة السورية على امتداد السنوات الخمس من عمرها، والتي أثرت بشكل عميق على مساراتها الملتوية، بفضل التحولات العميقة التي تركتها تلك المنعطفات على موازين القوى العسكرية، ومن ثم السياسية المؤثرة في صناعة المشهد السوري. المنعطف الأول هو الاتفاق بشأن المشروع النووي الإيراني، فكون طهران، وهو أمر لا تنكره هذه الأخيرة، أحد اللاعبين الأساسيين في ذلك المشهد، ساعدها هذا الاتفاق مع مجموعة (5 +1)، وما تبع محادثاتها معهم، من رفع للعقوبات المفروضة عليها، وكذلك على تحويل جزء كبير من اهتماماتها، ومعها حضورها السياسي والعسكري، بما يضمن إجراء تحول نوعي لصالح النظام القائم وجبهته العربية والدولية، الأمر الذي ساعده على طرح شروط أقسى لصالحه على الآخرين المشاركين في محادثات جنيف3. المنعطف الثاني هو التدخل العسكري الروسي، وبالحجم الذي شهدناه، بما في ذلك القصف الواسع النطاق للقرى السورية التي تسيطر عليها فئات مختلفة من القوى المعارضة للنظام. ومن الضرورة بمكان هنا الإشارة إلى أن صلب غارات ذلك القصف مس قوى لا تندرج في الفئات المصنفة إرهابية. فكان نصيب الأسد من حصة تلك القوى المتعارف عليها باسم المعارضة. هذا الأمر أحدث انقلاباً جذرياً في موازين القوى المحلية لصالح نظام بشار الأسد والجبهة المتحالفة معه. المنعطف الثالث، هو دخول دول مجلس التعاون في حرب ضروس في الجبهة اليمنية، والتي دون الحاجة في تقويم النهايات التي ستؤول لها، لابد من الاعتراف أنها امتصت نسبة عالية من الجهود التي كانت دول مجلس التعاون تبذلها في سوريا، التي أصبحت جبهة ثانوية، بعد ان كانت تحتل المرتبة الأولى في جدول أولويات إعادة ترتيب الأوضاع في الشرق الأوسط. أدى ذلك إلى اختلال كبير في موازني القوى لصالح النظام وحلفائه. المنعطف الرابع، جلبه الانخفاض الحاد المباشر في أسعار النفط، الذي مس صلب القدرة المالية للقوى المناهضة للنظام، وأدى إلى تقليص دعمها المالي سواء على صعيد تمويل الجبهة العسكرية، أو معالجة الأوضاع الإنسانية المتردية التي أفرزتها الحرب. صحيح أن جبهة النظام، مسها ذلك الانخفاض، لكن وطأته كانت أقل شدة من تلك التي عانت منها الجبهة المعارضة له. المنعطف الخامس، كانت تلك التحولات التي عرفتها الساحتان العراقية والسورية، فما يتعلق بنشاطات ما يعرف باسم الدولة الإسلامية، وما أفرزته من عوامل جديدة على ساحة الصراع، ما تزال الدوائر العالمية والإقليمية بحاجة إلى استيعابها، قبل التوصل إلى استراتيجية ناجحة تؤمن الانتصار عليها. هذه الاستراتيجية التي نتحدث عنها أكبر وأكثر شمولية من ردود الفعل الانية التي نشهدها اليوم، بما فيها تلك العمليات العسكرية الواسعة النطاق ضد قوات ما يعرف باسم الدولة الإسلامية. لكن تلك المنعطفات والتي كانت لصالح النظام، لم تصل بعد إلى طرفين مهمين في ساحة الصراع، الأول منهما دولي، وهو الغرب بقيادة الولايات المتحدة ومن ورائها الدول الأوروبية، فهذه ما تزال تمسك بين يديها بعض الأوراق القوية التي بإمكانها وضعها على الطولة عندما تستدعي الظروف ذلك. لكنها تفضل عدم استخدامها اليوم في انتظار ما سوف تنتهي إليه جلسة مجلس الأمن المقبلة. أما الثانية فهي تركيا، والتي ما تزال أقل المتضررين من تداعيات المشهد السوري، وهي الأخرى بين يديها مجموعة من الأوراق القوية التي يمكن وضعها على الطاولة، حين يحين الوقت المناسب. كل هذه المنعطفات، تشير إلى أن ظروف الساحة السورية لم تنضج بعد، وأن هناك مشواراً طويلاً على جميع القوى السورية أن تقطعه قبل أن تصل إلى بداية الطريق الذي يمكن أن يكون آمناً وملائماً لمباحثات جدية تقود إلى إعادة ترتيب البيت السوري، على أسس جديدة. ومن هنا فما يحاول الوصول له دي ميستورا ليس أكثر من دعوة المحاربين إلى استراحة مؤقتة، تمكنهم من التالي: 1. تخلص كل طرف من اهتماماته الأخرى التي تضع ترتيب البيت السوري في أسفل درجات سلم اهتماماته. 2. اقناع الأطراف المنتصرة، أو تلك التي مالت موازين القوى لصالحها، أن هذا الميلان مؤقت، وليس استراتيجياً كي يبيح لها حصة من الغنائم لا تتلاءم وحجم قواتها في معادلات الصراع. 3. وصول واشنطن وموسكو إلى اتفاق، بعيداً عن ضجيج المعارك، وضغوطات الإعلام على الصيغة النهائية للخارطة السياسية لسوريا القادمة، مع الأخذ في الاعتبار هنا، الأمن المطلوب للكيان الصهيوني. 4. تحجيم المكاسب الإيرانية، وتحالفاتها في المنطقة، كي لا تصل طهران إلى ما هو أبعد مما هو مسموح لها دولياً. وهنا تدخل في الحسابات المساحات التي سوف تشغلها قوى إقليمية مثل تركيا والكيان الصهيوني، وربما إلى حد ما مصر والسعودية.