كان المستثمرون من المؤسسات، مثل صناديق التقاعد العالمية، يبنون افتراضاتهم للعائد على أساس 8 في المائة سنويا، وهو مُعدّل لم يحققه بعضهم منذ أكثر من عشر سنوات. وفي مواجهة تباطؤ النمو الاقتصادي في أنحاء العالم، يُقلّص البعض تلك الافتراضات طويلة المدى للمرة الأولى في ربع قرن، وهو ما قد تكون له تداعيات واسعة على أصحاب معاشات التقاعد، والمدخرات، ومديري الأصول. ومنذ دخل العالم في حقبة ما تقول بيمكو، أكبر شركة لإدارة صناديق السندات في العالم، إنه الوضع الطبيعي الجديد، أو تباطؤ النمو الاقتصادي في 2009م، يجد المستثمرون سهولة نسبية في كسب المال، بفضل السيولة الرخيصة، التي تضخها البنوك المركزية، ما يغذي أسعار كل الأصول تقريبا. وتقول وكالة رويترز، في تحليل نشرته أمس، إنه في هذا العام وحده، ارتفع المؤشر القياسي للأسهم العالمية 15 في المائة. لكن حتى في ظل ذلك الوضع، فشل كبار المستثمرين، لاسيما صناديق التقاعد، في تحقيق هدف 8 في المائة، لأسباب، منها الحيازات الكبيرة من أدوات الدخل الثابت، التي لا تحقق سوى عوائد ضئيلة جدا. وبحسب منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، بلغ المتوسط المُرجّح، لصافي عائد الاستثمار الحقيقي لصناديق التقاعد (تدير أصولا تتجاوز قيمتها الإجمالية 32 تريليون دولار)، 4.4 في المائة في 2012م، ولم يزد على 0.2 في المائة في العام السابق. وتفيد بيانات من ويلشاير أسوسيتس، أن صناديق التقاعد العامة الأمريكية، التي ترفع حصة الأسهم في محافظها، حقّقت عائدا فصليا بلغ 3.45 في المائة في المتوسط، على مدى الأشهر التسعة الأولى من 2013م. وتظهر بيانات ويلشاير، أن متوسط العائد كان 5.2 في المائة في السنوات الخمس الأخيرة. وهذه النتيجة مخيبة للآمال، حتى وسط المناخ المواتي للمستثمرين في الأعوام القليلة الماضية، وبالنظر إلى 2014م، يبدو هدف 8 في المائة، لمُعدّل العائد، أبعد منالا، خاصة مع بدء مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأمريكي) تقليص شراء السندات. وقال مدير الاستثمار في يو بي إس لإدارة الثروات، ألكسندر فريدمان: بدأ تأثير الجُرعات المنشطة من سياسات البنوك المركزية، يُفسح المجال للنمو الاقتصادي الحقيقي، وهو ما سيحدد عوائد المستثمرين؛ لذا فإن المستثمرين بحاجة لتعديل مُخصّصات الأصول. ويتوقع فريدمان، أن تبلغ عوائد الأسهم ما بين 7 و8 في المائة سنويا، على مدى الأعوام الثلاثة إلى الخمسة المقبلة. وأضاف: هذا عائد معقول، لكنه ليس عائد 15 في المائة سنويا، الذي شاهدناه في الأعوام الخمسة الأخيرة. في تلك الفترة، لم تكن عوائد الأسهم مدفوعة بالنمو الاقتصادي الحقيقي، بل بسياسات نقدية غير تقليدية، تعود أدراجها الآن. ويوصي يو بي إس، أن تتضمّن المحفظة الاستراتيجية، سندات شركات، وديون اقتصادات ناشئة عالية العائد، وأسهما؛ لتحقيق أقصى مردود على مدى خمس إلى سبع سنوات مقبلة. وعادة، تستخدم صناديق التقاعد، وخاصة الصناديق العامة في الولايات المتحدة، هدف 8 في المائة (يهدف لحساب المساهمات التي تحتاج إليها لتغطية المدفوعات في المستقبل)، لأنه متوسط عائد الاستثمار السنوي للأعوام الـ 25 الماضية. لكن تلك الصناديق، تعاني بالفعل من نقص التمويل، وتواجه التزامات متزايدة، جرّاء ارتفاع نسبة كبار السن، ومن المتوقع أن تواجه مستويات عجز أكبر، إذا قلّصت تقديراتها للعائد، ويعني هذا أن يتقاضى المتقاعدون معاشات أقل، أو أن يدفع ممولو خطط التقاعد مبالغ أكبر الآن. وبدأت بعض صناديق التقاعد بالفعل التأقلم مع الواقع، وخَفّض تقديرات العائد، أحدها كالبرز، أكبر صندوق تقاعد عام أمريكي، قلّص مُعدّل العائد المفترض إلى 7.5 في المائة، من 7.75 في المائة، في العام الماضي. وبحسب مركز بيو للدراسات في واشنطن، فقد حقّقت صناديق التقاعد الحكومية الأمريكية 4 في المائة فقط، في المتوسط، بين عامي 2000م و2009م. ويقول المدير المشارك لمُخصّصات الأصول، في جي إم أو الأمريكية لإدارة الأصول، بن إنكر: إنه قد يتعين خفّض مُعدّل العائد الحقيقي المفترض على الأسهم، إلى 3.5 في المائة، من متوسط 43 عاما لمؤشر ستاندارد آند بورز 500، البالغ 5.7 في المائة. وقال إنكر: سوق الأسهم الأمريكية عند مستويات لا تدعم، على ما يبدو، مثل تلك العوائد، التي اعتاد المستثمرون تحقيقها من الأسهم. ويرسم المُنظّر المالي الأمريكي، وليام برنستاين، صورة للمدى الطويل أكثر مدعاة للقلق، ويقول: إن ارتفاع مستويات الثروة بسبب النمو الاقتصادي، يدفع العائد على رأس المال إلى الانخفاض في الاقتصاد العالمي. وجهة نظر برنستاين، التي يطلق عليها مفارقة الثروة، هي كالتالي: في المجتمعات الزراعية الأولى، كانت تكلفة رأس المال مرتفعة، لأنه كان بمقدور المزارع الغني أن يقرض محصوله بمُعدّل فائدة شديد الارتفاع. وعلى سبيل المثال، كان مكيال القمح يُسدّد بمقدار المثلين وقت الحصاد، أي بعائد 100 في المائة في أقل من سنة. ومع تنامي الإنتاجية، انتشرت الثروة ببطء، بين من يملكون فائضا من المحاصيل والمواشي والأموال، ليصبح رأس المال أكثر وفرة. يقول برنستاين في ورقة بحثية: مع تنامي ثروة المجتمعات، تميل معادلة العرض والطلب لمصلحة مستهلكي رأس المال. وبناءً على استهلاك الطاقة وتكلفة رأس المال، يُقدِّر برنستاين، أن العائد الحقيقي على الاستثمار كان 125 في المائة في عصور ما قبل التاريخ. وفي حضارات العراق واليونان، الأكثر تقدما، تراجعت الفائدة إلى مستويات منخفضة في خانة العشرات، وعندما كانت روما في أوج مجدها، انخفضت الفائدة إلى 4 في المائة، واليوم الفائدة لا تتجاوز 2 في المائة. يقول برنستاين: البحث النظري والأرقام طويلة المدى، يدعمان مقولة أن النمو الاقتصادي يُقلّص عوائد الأوراق المالية. إنه ثمن العيش في عالم أكثر إشباعا لحاجات الرخاء والأمن والصحة والفكر.