حظيت زيارة الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند للمملكة العربية السعودية، في هذا التوقيت، باهتمام الكثير من الدوائر المحلية والإقليمية، إذ رأى فيها المراقبون ملامح وإشارات تتجاوز الاتفاقيات الثنائية بين البلدين في مجالات الطاقة والاقتصاد والصحة والتعليم العالي والتنسيق في المجال العسكري والأمني، إلى أبعاد تشكل بوادر لتأسيس علاقات استراتيجية، إقليمية ودولية، تهدف إلى بسط الأمن في المنطقة كلها ومواجهة القوى التي تهدد استقرارها وتنميتها. وكان واضحا من أجواء الزيارة وما صدر عنها أن البلدين تجمعهما قناعات مشتركة ووجهات نظر متوافقة حول العديد من القضايا السياسية والأمنية. وقد تجلى هذا الاتفاق، بشكل واضح، في موقف البلدين من قضية الشعب السوري وتهديد الأمن والاستقرار في لبنان، فقد أكد البلدان رغبتهما المشتركة في إيجاد صيغة مقبولة تنقذ السوريين من الحرب وويلاتها وتمنحهم فرصة للخروج من النفق المظلم الذي يعيشون فيه كما أدى التفاهم المشترك إلى مساندة لبنان وتقوية جيشها لمواجهة ما يهدد كيانه ويعرض تجربته المميزة للخطر. ومن المتفق عليه أن أمن واستقرار لبنان ليس قضية داخلية تهم اللبنانيين وحدهم فهذا البلد في قلب الأحداث ومتشابك معها وضمان استقراره وأمنه وحماية مكوناته من التفكك عامل أساس في استقرار المنطقة كلها. إذن لم يعد خافيا رغبة البلدين في تطوير المصالح المشتركة لبناء علاقات مميزة تمكنهما من تشكيل صوت سياسي قادر على المشاركة الفاعلة في أوضاع المنطقة والعمل مع الشركاء الآخرين لإيقاف حالة الاضطراب التي تهدد الأمن والاستقرار. ومن المنطقي أن تتحرك دولة مهمة، مثل المملكة، لبناء علاقات قوية واستراتيجية مع الدول الفاعلة التي لديها حضور وتأثير إقليمي ودولي لتساند مواقفها وتدعم تحركها الطبيعي المشروع في مجالها الجيوسياسي من أجل خلق ظروف طبيعية تجنب المنطقة كلها مخاطر استمرار حالة السيولة التي تغذي تيارات العنف المتنامية، والكثيرون يرون أن فرنسا شريك مناسب في هذا التوقيت الذي يشهد تبدل مواقف البعض وتردد آخرين حيال قضايا جوهرية حتى بات خطابهم وخطواتهم العملية تشكك في صواب وجدية مواقفهم، وفرنسا، بصوتها السياسي، الذي يأخذ مسافة من الآخرين، وتطورها العلمي ورمزيتها الثقافية، يمكنها أن تسهم، بشكل فاعل، في خلق شراكة قائمة على حسابات المصالح والتوازنات، ولن يكون من المجازفة القول إن العلاقات السعودية الفرنسية مرشحة لتطور كبير على مختلف المستويات في المرحلة المقبلة، وستزداد سرعة هذا التطور إذا تحركت قاطرة طلاب البعثات إلى الجامعات والمعاهد الفرنسية واتسعت دائرة التبادل الثقافي.