قضى زاك فاغان 12 عامًا مع نادي آرسنال، لكن أضواء الدوري الإنجليزي الممتاز البراقة اتضح أنها وهم سقط ضحيته كثير من اللاعبين الناشئين، الذين اقتنصت أندية بعضهم في سن لم تتجاوز الـ4، ما يكشف خبايا منظومة رياضية معيبة. وهكذا يتلقى كثيرون النداء، لكنّ قليلين فقط من يقع عليهم الاختيار، تنطبق هذه العبارة الشهيرة على كثير من المواقف التي نعيشها يوميًا، لكن داخل الدوري الإنجليزي الممتاز تتجسد العبارة بصورتها الأكثر تطرفًا. والغريب في الأمر أنه رغم تعالي الدعوات حاليًا أكثر عن أي وقت مضى لتنمية المواهب الكروية الصغيرة الناشئة، فإن المشهد العام يبقى في معظمه من دون تغيير يذكر، فرغم أن كثيرا من الناشئين يتلقون دعوات للانتقال إلى أندية أكثر روعة ونجومية، مع أن بعضهم يكون في سن صغيرة للغاية، فإن حالة من الفصام لا تزال قائمة بين هذا المشهد والمشهد السائد على صعيد الدوري الممتاز. في الواقع، إنها قصة مليئة بالتناقضات. خلال عطلة نهاية هذا الأسبوع، جلس زاك فاغان على مقعد البدلاء ليتابع خسارة ويلينغ يونايتد بهدفين مقابل هدف واحد أمام هافنت آند ووترلوفيل في بطولة «إف إيه تروفي». ويعتبر فاغان واحدًا من الأسماء التي قد تفلح قصتها في دق ناقوس الخطر، فقد قضى 12 عامًا في صفوف الناشئين بنادي آرسنال، منذ أن كان في الثامنة من عمره. وعلى امتداد الطريق، تلقى وعودًا بمستقبل براق. ومن خلال مركزه بخط الدفاع، لعب فاغان كظهير وسط بجانب النجم البارز حاليًا هيكتور بيليرين. وقارنته المجلة الصادرة باسم النادي بلاعبين من الطراز الأول أمثال ريو فيرديناند وإريك أبيدال. في مايو (أيار) 2014، ومن دون أية مشاركة له مع الفريق الأول، استغنى عنه النادي ليوقع عقد انضمام إلى ويلينغ يونايتد. بالطبع، هذا الأمر ليس به ما يشين اللاعب، خصوصا أن ويلينغ يونايتد من الأندية المشاركة في دوري الدرجة الثالثة، إلا أنه على صعيد التخطيط وتنمية المهارات تبدو القصة برمتها خالية من أي معنى حقيقي، ومثال آخر على أرض التيه المتمثلة في أغنى وأكثر مسابقات الدوري فوضوية على مستوى العالم. من جانبه، قال فاغان، 21 عامًا، بنبرة لم تخلُ من حنين إلى المنظومة التي ترعرع خلالها: «كل لاعب يعتقد أنه سيصبح النجم القادم بعالم كرة القدم، تلك هي الحال دومًا. وكثيرًا ما يقول المرء بينه وبين نفسه: سألعب في صفوف الفريق أقل من 10 سنوات، ثم أقل من 14 عامًا، ثم سيراني أرسين فينغر بعد ذلك ويقول: أريد هذا الفتى معي بالفريق. ثم أشارك في 30 مباراة بالدوري الممتاز وألعب لحساب المنتخب الإنجليزي». واستطرد قائلاً: «إلا أن الأمور لا تجري على هذا النحو، فالوضع قد يكون قاسيًا. وهناك كثير من العوامل المتغيرة. وأولئك الذين يصدرون القرارات المتعلقة بك، هناك آخرون أعلى مرتبة منهم يتخذون قرارات تضغط عليهم. بمرور الوقت، تجد أن مصلحتك تتراجع إلى الخلف. ويستمر المدربون في إخبارك أن كرة القدم بالأساس رياضة تعتمد على النتائج. وفي النهاية، يسعى كل فرد وراء مصلحته الخاصة». إلا أنه في الوقت الذي كان ويلينغ يونايتد يتلقى هزيمة على يد هافنت، فإنه في مكان آخر كانت فصول قصة مختلفة من قصص خريجي الأكاديمية الكروية الحديث تتكشف فصولها، حيث سجل بينيك أفوبي، زميل فاغان في صفوف ناشئي آرسنال، هدفه الأول ببطولة الدوري الممتاز في شباك بورنموث. في اليوم التالي، كان جيسي لينغارد وكاميرون بورثويك جاكسون اللاعبين الوحيدين في صفوف مانشستر يونايتد اللذين ترعرعا داخل النادي، وذلك خلال لقاء ناديهما بليفربول الذي انتهى بفوز الأول بهدف من دون مقابل على استاد أنفيلد. أما ما يربط اللاعبين الأربعة، من لاعب يحاول التعافي واستعادة حلمه الكروي خارج حدود الدوري الممتاز، وآخر يبدأ انطلاقته داخل الدوري الممتاز، وأخيرا لاعبان قد ينضمان إلى صفوف النجوم يومًا ما، المنظومة المكثفة التي مروا خلالها حتى وصلوا إلى النقطة الراهنة. جدير بالذكر أن مسؤولي آرسنال رصدت أعينهم أفوبي وهو في الـ6 فقط من عمره. أما لينغارد فيلعب في صفوف النادي منذ أن كان في الـ7، بينما يشارك به بورثويك جاكسون منذ أن كان في الـ6. في الواقع، لقد أصبحت تلك هي السن المعتادة حاليًا داخل أندية كرة القدم، لدرجة أن هناك قصصًا متداولة حول رفض بعض الأكاديميات مجرد النظر إلى أطفال في الـ8 بحجة أنهم لا بد وأنهم «اكتسبوا عادات سيئة». الملاحظ أن تأثير كرة القدم على اللاعبين الصغار كان من القضايا محل الاهتمام منذ الأيام الأولى لانطلاق كرة القدم للمحترفين. وكان الفزع الذي أصاب مدرب مانشستر يونايتد في الفترة ما بين 1945 و1969 مات بسبي حيال القسوة التي تعرض لها اللاعبون الناشؤون خلال السنوات بين الحربين العالميتين، القوة الدافعة وراء قراره إعادة بناء مانشستر يونايتد. كان اللاعبون يظهرون عبر مباريات المدارس والضواحي، مع خضوعهم لاختبارات مستمرة. عام 1998، أقر نظام المنحة الأكاديمية المتميز بطابع أكثر رسمية. ومنذ ذلك الحين، خضع هذا النظام لتنقيح وإعادة صياغة بصورة مستمرة. أما العنصر الجديد الآن فهو المحاولات الدؤوبة للوصول للاعبين أصغر عمرًا. وتدير أندية الدوري الممتاز حاليًا مراكز تدريب متنوعة على نحو يمكنها من الالتفاف على القوانين التي تنص على توقيع عقود فقط مع بلوغ الطفل الـ9 من عمره، ناهيك بما تبثه هذه المراكز من أحلام واهية في نفوس أطفال وأسرهم حول مستقبل من النجومية والثراء بين الأسماء الكبرى بعالم كرة القدم. من ناحية أخرى، فإن هناك مخاوف حقيقية بشأن قدرة تلك المنظومة الرياضية على تنمية المواهب بصورة حقيقية. على سبيل المثال، في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، كانت هناك ثلاث مباريات «ديربي» تقام بذات اليوم في إطار الدوري الممتاز. ومن بين إجمالي 66 لاعبًا شاركوا بالتشكيل الأساسي للفرق، كان أربعة فقط ممن ترعرعوا داخل الأندية التي يلعبون في صفوفها، جون تيري وجيمس تومكينز ومارك نوبل وبول دوميت. وعند إمعان النظر في الأندية، نجد أن المدربين يتلقون توجيهات مستمرة بضرورة تكوين فريق متناغم، في وقت يجري فيه توجيه الموارد لعملية استقدام لاعبين جدد مستمرة. وفي ظل تلك الظروف، تصبح المهارة الأهم شراء اللاعبين، وليس تطوير مستواهم أو تثقيفهم رياضيًا. ويتمخض عن كل ما سبق شعور بالاغتراب بين المشجعين واللاعبين والنادي. وتصبح هذه الفجوة في المشاعر جلية فقط عندما يحدث العكس، وهو أن يجري بناء الأندية واستثمار لاعبين. على سبيل المثال، يظهر هذا الأمر بقوة عن إمعان النظر في وضع جوردان بيكفورد داخل سندرلاند، أو الأهمية التي يحملها وجود هاري كين لفريق توتنهام هوتسبر، ليس فقط على صعيد الأهداف، وإنما كذلك الروح المعنوية. على الجانب الآخر، هناك مسألة ما تحدثها هذه المنظومة الرياضية في اللاعبين أنفسهم. الواضح أن هناك قدرا هائلا من الفاقد البشري. يحمل دليل أكاديمية آرسنال للناشئين في مطلعه عبارة تقول: «ابذل مجهودا بنسبة مائة في المائة، وستصل إلى حلمك»، لكن هذا لا وجود له على أرض الواقع، بالنظر إلى أن جاك ويلشير فقط هو الذي نجح في صفوف آرسنال كنتاج مثمر للأكاديمية منذ آشلي كول، الذي لعب الحظ الجيد دورًا كبيرًا في بداية صعوده.