تقول إحدى الأمهات: أولادنا لديهم كل شيء، نحن نوفر لهم كل ما يتمنونه، مع ذلك فهم غير ممتنين بما يكفي وغير سعداء كما نتوقع، كما أنهم دائمو الشكوى والتبرم!، انتهت ملاحظة الأم، والتي أظنها تطرح قضية في غاية الحساسية. لكنها لم توفق في وضع يدها على حقيقة المشكلة، كما أنها طرحتها بطريقة غير منصفة، لأنها حملت الأولاد المسؤولية ووضعت الوالدين في موقف الضحية الذي لا يتوجب تحميله أي ذنب! يتبرم الأولاد بشكل دائم - يا سيدتي - ولا يشعرون بالسعادة المتوقعة أو بالامتنان لوالديهم لسببين: الأول هو أن كل شيء يتوفر لهم أولاً بأول، بسبب اعتقاد خاطئ لدى بعض الآباء والأمهات، أساسه أن حرمان الأبناء قد يخلخل نفسياتهم، ويؤثر في نظرتهم لأنفسهم مقارنة بزملائهم. أما السبب الثاني فهو دور الوالدين في تضييق منظور الحياة في نظر الأبناء، وحصره في الاحتياجات المادية فقط (الألعاب، الآيباد، الهاتف النقال، السفر، الثياب الفاخرة.. الخ) ومعروف أن الماديات لا تنتهي، كما أنها لا تبني أفقاً إنسانياً في شخصية الطفل، لذلك فالحياة بمنطق المشاركة هي الحل الحقيقي! إن معظم أبنائنا لا يجيدون التعبير عن أنفسهم وذواتهم، ولا ينطلقون في أحاديث سلسة في أوساطهم الأسرية، وتدعي الأمهات في مثل هذه الحالات أن الأطفال خجولون حتى لا تعترف بتقصيرها أو فشلها، مع أن الأمر خلاف ذلك، فالأطفال الصامتون ليسوا خجولين دائماً. لكنّ كثيراً منهم بعيدون عن ذويهم وغير معنيين بالتواصل معهم، لأنهم لم يتربوا على ذلك، ويصبح الأمر أقرب للإشكالية المعقدة عندما يكبر هؤلاء الصغار ولا يعودون يهتمون بأحد سوى بأنفسهم، هذا ما يمكن أن نطلق عليه تربية الأنانية! للأسف الشديد، بعض الأسر تربي الأنانية في نفوس أبنائها، وتدفعهم لكي لا يروا في الحياة سوى ذواتهم واحتياجاتهم ورغباتهم.. وليذهب العالم للجحيم، إنها الفلسفة الفردية التي تعلي رغبات الفرد المطلقة دون تقنين أو توجيه، هذا ما يجعل الجيل الجديد يقدس نزعته الأنانية ويحتفي بالأخذ دون العطاء! تمتلئ الحياة بخيارات عدة واهتمامات إنسانية وعظيمة يمكن للأسرة توجيه أبنائها لها، كالغوص ورحلات الصحراء والاطلاع ورحلات الاستكشاف، والمشاركة في الأعمال التطوعية، والذهاب في رحلات للمساعدات الإنسانية، والانضمام لفصول تعليم اليوغا والطهي والتصوير وتطوير مهارات العلاقات الاجتماعية.. وغيرها. إن بعض أبنائنا يشارف على إنهاء دراسته الثانوية دون أن يكون قادراً على التعبير عن نفسه مثلاً، ناهيك عن كونه لا يعلم شيئاً عن تفاصيل واقعه وهوية مجتمعه وكيف يصوغ جملة بسيطة تعبر عن نظرته للحياة ولمن حوله.