الاعتداءات الأخيرة في باريس حدثت باسم الدين الإسلامي. كذلك تم التصويب على أنها أعمال مرتبطة بتنظيم الدولة الإسلامية «داعش»، ومن يراقب الساحة الدولية يعلم علم اليقين أن «داعش» صنيعة معروفة غاياتها، كصنيعة «القاعدة»، والهدف تأزيم الرأي العام وتحريضه على الإسلام بعد أحداث 11 أيلول(سبتمبر). اليوم نجد أن السيناريو نفسه يظهر إلى العلن، لكن في نقطة جغرافية أخرى بعيدة عن نيويورك، وأصبح الحدث قريباً جداً من دول أوروبا التي تشارك في مكافحة «داعش» بقوة خجولة تكاد تكون جوية فقط. والجميع يعلم أن الموارد البشرية لتنظيم «داعش» معظمها من دول أوروبا التي سهلت مهمة إرسالها إلى العراق وسورية وليبيا وحتى مصر. ما أتحدث به هو عن فئة الشباب. هم ليسوا شباب تنظيم «داعش» بل الشباب الأوروبي الواعي والذي كثيراً ما نشاهد ابتعاده عن السياسة وعن المشاركة حتى في الانتخابات. هذه الفئة هي الشريحة التي يخاف منها معظم سياسيي أوروبا، كون نسبة المشاركة على سبيل المثال في بريطانيا كانت أعلى نسبة في الانتخابات النيابية الأخيرة وهي 66 في المئة. بينما احتلت نسبة مشاركة الشباب بين سن 20 و35 المرتبة الدنيا. من الواضح أن هذه الفــئة الواعية لا تعطي أصواتها لأشخاص تعتقد أنهم لا يمثـــلونها، لا في الحكومة ولا في البرلمان، بل تعتـــقدون أن البلد يجب أن يحكمه شخص واحد يكسب كل الأصوات من دون استثــناء، ومن يحصد أصواتاً بنسب متفاوتة فهذا بالنسبة إليها غير جدير باتخاذ قرارات صحيحة بحق فئة هاجسها الوحيد معارضـة كل ما يأتي من هذه الحكومة. وبعد تفكير وتمحيص عمل بعض أدهياء السياسة على استقطاب الفئة الواعية من هؤلاء الشباب إلى أحضان الحكومة وجعلهم يشعرون بالتعاطف مع الوضع الراهن للبلد. وكانت الأحداث الأخيرة في باريس خير دليل على هذا التخطيط حيث نجد أن جميع العمليات الإرهابية في العاصمة الفرنسية حصلت في مناطق تعج بالشباب من هذه الفئة، ممن يرتادون المقاهي والملاهي والمسارح وكذلك ملاعب كرة القدم. لقد شاهد معظم الشباب في تلك اللحظات الرعب والذهول من هول الصدمة وكيف يتم أمامهم قتل أصدقائهم وذويهم وأحبابهم، ما جعل هذه الفئة تتخذ موقفاً عدوانياً، حتى ولو كان مرحلياً، إلا أن أدهياء السياسة نجحوا بعض الشيء في استقطاب هذة الفئة، خصوصاً بعد الرد العنيف من قبل الحكومة ضد «داعش» في سورية والعراق، ما جعل هذه الفئة أكثر تقرباً من الحكومة كونها أخذت الثأر الذي تركه في داخلها هول العملية الإرهابية وحب الانتقام للضحايا. إن هذه الفئة هي إكسير الحياة، لذلك يجب أن يكون توجيه بوصلة التقدم باتجاهها كونها مستقبل الحياة وبيضة القبان، فلا تبقى الديكتاتورية الحزبية سيدة الحكومات.