لو أراد الباحثون المتخصصون أن يحددوا سلعة واحدة تؤثر وفرتها أو ندرتها في الأمن والسلم العالميين لما كان ثمة ما هو أجدر بهذه المكانة الفريدة من النفط ، بل و زيادة على ذلك فالدول الكبرى تسعى حثيثاً إلى جانب السيطرة على أسعار النفط أن تدخل في صراعات ساخنة من أجل السيطرة كذلك على من يباع النفط لضمان بقاء الدول المتخلفة صناعياً في مراتب اقتصادية أدنى وبذلك تضمن الاستمرارية في الهيمنة الجبرية على الاقتصاد العالمي ، ولذلك كثيراً ما تؤثر الاعتبارات السياسية و الإستراتيجية في أسعار النفط وليس القاعدة الاقتصادية الشهيرة من قانون العرض والطلب. من هنا تجيء أهمية وفرة النفط بالأسعار العادلة و المتوازنة لكل من الدول المنتجة والمستهلكة ( والذي يقال إنه ما بين 70 - 90 دولاراً للبرميل ) ومدى تأثير ذلك على النمو أو التباطؤ الاقتصادي للدول والمجتمعات البشرية ، فالنفط الذي هبط سعر برميله من 102 دولار في منتصف عام 2014 م إلى دون الأربعين دولاراً في الربع الأول من 2016 م لا يزال هو المصدر الأول لتوليد الطاقة الكهربية على مستوى العالم وكذلك للأنشطة الحيوية والطبية وفي الصناعات والزراعة وتسيير مركبات المواصلات من حركة الطيران الدولية والنقل البحري والأرضي من قطارات تقطع آلاف الكيلومترات بين الدول وسيارات النقل الجماعي والخاص داخل المدن وخارجها ، وعلى الرغم من الجهود العالمية في التحول عن النفط إلى الطاقة المستدامة كمثل الطاقة الشمسية و طاقة الرياح وطاقة خلايا الوقود المبنية على تفاعل الأكسجين والهيدروجين الجوي لإنتاج الطاقة والماء ... الخ ( يوجد حالياً عدد من السيارات التي تعمل بخلايا الوقود في مراحل تجريبية ) ، إلا أنه يبدو أنه على العالم الانتظار لعقدين أو ثلاثة من الزمان حتى يتم التمكن من التقنيات الحديثة بكفاءة عالية واقتصادية للاستفادة المثلى أوالعملية من الطاقات المتجددة . نقطة جديرة بالتمعُّن ألا وهي أن ما يجرى على الساحتين العالمية والعربية من صراعات وحروب شاملة وقيام دول معروفة بالمسالمة كالسعودية التي شنت اضطراراً حرب عاصفة الحزم لإنهاء الاحتلال الإيراني بالنيابة في اليمن الشقيق ، أو التدخل الروسي السافر في الحرب بالشام اصطفافاً مع النظام النصيري الباغي ، وتوتر العلاقات بين تركيا المسلمة وروسيا التي رفعت شعار الصليبية خصوصاً بعد حادثة إسقاط الطائرة الروسية المقاتلة التي انتهكت الأجواء التركية ، والاتفاق الأمريكي - الإيراني بشأن ملف إيران النووي الذي ترى فيه قيادات مجلس التعاون الخليجي سماحاً مبطناً بإنتاج السلاح النووي الإيراني ، كل تلك الصراعات لحَرَيَّة بأن ترفع سعر النفط إلى 150 دولاراً للبرميل بدلاً من ذلك الانخفاض غير المنطقي. لم يُجدِ النفط الصخري نفعاً في بث الطمأنينة واستقرار أسعار النفط بسبب ارتفاع تكلفة الاستخراج وللتوقعات بتتابع إعلان الشركات المنتجة له إفلاسها مع مرور أشهر هذه السنة . لكن ذلك في حد ذاته لا يضمن للغرب الاستمرار في انخفاض أسعار البترول ما لم يتم إنهاء «الكتلة النفطية العائمة» بالسوق العالمية للنفط وهي كمية هائلة من النفط فائضة عن احتياجات أسواق النفط الحالية تضارب بها شركات الدول الكبرى وتؤثر في أسعار النفط. كما يقال بأن الدولة المنتجة الوحيدة القادرة على ذلك منفردة أو بالتعاون مع مجموعة المنتجين المتعاونة معها هي السعودية ، التي تأخذ في حساباتها الاستراتيجية مصير حرب سوريا. فالمملكة بتوفيق من الله ثم بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز تبذل الغالي والرخيص في سبيل حماية حوزة الإسلام بالشام ولن يزحزحها عن موقفها هذا سوى إحداث نصر نوعي في الشام يعيد للإسلام والمسلمين هيبته وأهله .