صراحة خالد الحسين : أكد سماحة مفتي عام المملكة رئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ أن رابط الإيمان بين المؤمنين أعظم من كل العلاقات والصلات، لقوله تعالى (( إنما المؤمنون أخوة ))، مبينا أن هذه الأخوة تقتضي محبة المؤمن لأخيه بنصحه وتوجيهه ونصرته وتأييده والوقوف بجانبه إن كان مظلوما وردعه عن الظلم إن كان ظالما، وتأصيلها بالمحبة والمودة والتأييد والنصرة واستشعارها بالإيمان الذي جمع هذه القلوب، قال تعالى : (( هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم )) . وأوضح سماحته في خطبة الجمعة التي ألقاها في جامع الإمام تركي بن عبدالله بالرياض، أن من الإيمان أن يحب المسلم لأخيه المسلم ما يحب لنفسه كما في الحديث لايؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه، مؤكدا أن غش المسلم وخيانته وخداعه والمكر به أمر يخالف شرع الله تعالى، بل الواجب محبته ونصيحته إذا استنصح ومشورته للخير ومنعه من السوء، وأمره بالمعروف ونهييه عن المنكر ، قال تعالى : (( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ))، وفي الحديث انصر أخاك ظالما أو مظلوما ، قالوا يارسول الله ننصره مظلوما فكيف ننصره ظالما ، قال تردعه عن الظلم فذلك نصرك إياه . وأفاد سماحة مفتي عام المملكة أنه من غش المسلم للمسلم أن يزين له الباطل ويحسن له الخطأ والمعاصي والسيئات أو يحثه ويرغبه في المذاهب الضالة والآراء الشاذة والمذاهب الضالة التي هي على خلاف طريق الإسلام وأهله، مبينا أن أعظم الغش من يغشون شباب الأمة ويزينون الباطل ويحسن الخطأ والسوء ويدعونهم إلى الخروج مع فئات لايعلمون حقيقة أمرهم إلا أنهم خدعوا وانخدعوا ولو علموا حقيقة أمرهم ما تبعوهم على باطلهم وضلالهم، ومن أعظم الغش الغش الفكري ومن أعظم الغش الفكري الدعوة إلى اعتناق هذه المذاهب الباطلة والآراء الضالة التي يزنها أهل الباطل ويحسنونها، قال عليه الصلاة والسلام الدين النصيحة الدين النصيحة الدين النصيحة، قالوا لمن يارسول الله، فقال لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم. وأشار فضيلته إلى أن من الغش الدعوة السيئة لكل باطل والغش لأخيه المسلم ما يرد في بعض إعلام المسلمين لأبناء المسلمين من تشكيك في الإسلام و أهله وفي العقيدة والدعوة إلى كل ضلال وباطل، والغش في التعامل معه، فالمسلم يلجأ لأخيه المسلم بوصفه مؤمنا مثله، وقال : فإذا غششته وخنته كنت من الخائنين قال تعالى : (( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ))، فمن الأمانة النصح لأخيك المسلم إذا رأيته توجه إلى باطل فحذره منه وأنقذه منه وقل له هذه سبل ضلال وطرق غواية فاجتنبها وابتعد عنها لعلك أن تكون من المسلمين حقا، قال صلى الله عليه وسلم لا إيمان لمن لم يأمن جاره غوائله ، قالوا وما غوائله ، فقال غشه وخيانته، فغش وخيانة الجار ينافي كمال الإيمان . وأورد سماحة الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ أن من غش المسلم لأخيه المسلم ما يكون في البيع والشراء وخداعه فيهما من كبائر الذنوب بإظهار خلاف الواقع، يقول صلى الله عليه وسلم من حمل علينا السلاح فليس منا ، ومن غشنا فليس منا، مبينا اقتران الأمرين بأصل حرمة أموال المسلمين بغير حق وحرمة دماءهم بغير حق ، فالمؤمن من أمنه الناس على دماءهم وأموالهم ، فمن حمل علينا السلاح ليس منا لأن حامله يهدد أمننا واستقرارنا ويدل على خبث نفسه حيث وجه سلاحه لأمة الإسلام ليقتلهم ظلما وعدوانا، ومن غشنا فليس منا لأنه لو كان مؤمنا ما غش أخاه المسلم بل يصدقه ويوضح له، يقول صلى الله عليه وسلم البيعان بالخيار ما لم يتفرقا ، فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما وإن كذبا وكتما محقت تجارتهما . وأبان سماحته أن للغش صور متعددة منها إخفاء عيوب السلع وعدم كشفها وتبيينها للمشتري، حيث دخل النبي صلى الله عليه وسلم السوق يوما فرأى صُبرة طعام فأدخل يده في الطعام فوجد أسفله رطبا حيث نالت أصابعه بلل فقال ماهذا ياصاحب الطعام ، فقال أصابته السماء يارسول الله ، فقال له ألا جعلته فوق الطعام حتى يراه الناس من غشنا فليس منا . وأفاد أن من أنواع الغش إظهار السلع بأنها سلع أساسية نافعة وأنها ليست تجارية وإنما أصلية أحسن من غيرها وأنها سلع معروفة بالجودة والإتقان والواقع خلاف ذلك، فمن يرى هذا الإعلان عليها وهذه المواصفات عليها يظنها صدقا والواقع أن هذه السلع مغشوشة ظاهرها السلامة ولكن باطنها غش وخيانة في كل أمورها، فيظن المشتري السلامة في ذلك والواقع خلاف ذلك وربما حدثت أيمان فاجرة بأنها أصلية وواقعها غش وخيانة. وقال الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ إن من الغش ما يعمله أرباب السيارات وبائعوا السيارات من الكذب والافتراء والتخلي عن كل العيوب التي تنكشف في حقيقة أمرها وقوله إن هذه السيارة خالية من كل عيب فيها ويبيعها وهي معيبة كلها، والواقع أن يغتر الناس بذلك فيشتريها على أن فيها عيب ولكن العيوب الموجودة فيها أكثر من ما يتوقع فهو يروج لسلعته بأنه بريء من كل العيوب ، فهذا خطأ قد يقول هذه هي العيوب وهو يعلم عيوبها ويعلم ما فيها من العيوب والتي لابد أن يوضحها للمشتري ولايخدعه بهذه الادعاءات الباطلة، ومنه غش أهل العقار بعقارهم فمنفذوا المشاريع الجماعية يغشون أحيانا فيؤسسون عماراتهم ويبنونها ولكن البناء ليس على الأوصاف المعروفة وليس على التقنية المعروفة ولكنه تنفيذ سيء في ظاهره حسن ولكن مدته يسيرها ثم يتفتح للمشتري ما فيها من العيوب وما فيها من النقص فهذا كله من الخطأ ، فالواجب عليك أن تعامل إخوانك بما تحب أن تعامل به نفسك ، فلو كنت تعد هذا البناء لنفسك لاتقتنته على أحسن المواصفات ونفذت فيه المطلوب إما أن تكون تجارية كما يقولون بيع وتجارة على مواصفات رديئة دنيئة ظاهرها السلامة ولكن بعد قليل تأتي عيوبها عيب بعد عيب وهذا يدل على الغش والخيانة . ومن الغش بيع الأراضي بصكوك مزيفة ووثائق غير سليمة يظنها المشتري سليمة في ظاهرها ولكن في الواقع إنها خداع اجتمع فيه سماسرة الأراضي وقد يؤيدهم عليه بعض الكتاب ، فتخرج صكوك شرعية على أن المساحة كذا وكذا والواقع انه قد ادخل فيها ما ليس منها وأضيف إليها ما ليس منها وبعد أن تظهر الحقيقة نجد أن هذه المساحة مغشوش فيها فيقع المشتري في إشكال بين السماسرة وبين كتاب العدل إلى غير ذلك ، فمن الغش أن لا تكون وثائقها سليمة بل يجب أن تكون وثائقها سليمة ومعترف بها، قال تعالى :(( يا أيها الذين امنوا إذا تداينتم بدين إلى اجل مسمى فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل ))، فلابد لكتاب العدل من الصدق في الوثائق وعدم تضمينها ما ليس منها فان المشتري يشتريها على أنها سالمة وان مساحتها كذا وبعد حين يخرج من يدعي أنها له وان هذه المساحة فيها غش وعدوانا وظلم، وفي الحديث لعن الله من غير منار الأرض أي مراسيمها. وأشار فضيلته إلى أن أنواع الغش كثيرة جدا ومتعددة ويجمعها أن يكون البيع على خلاف الواقع ، فالواجب على الجميع تقوى الله وعدم الغش والصدق في القول والعمل ، فان كل مال انتقل عليك بغير حق فانه حرام عليك لايجوز لك، قال صلى الله عليه وسلم إن الحلال بين وإن الحرام بين، محذرا من أكل أموال الناس، يقول صلى الله عليه وسلم من أمتي من يأتي يوم القيامة وقد أتى بعمل مثل الجبال فيأتي وقد قذف هذا وشتم هذا وضرب هذا و أكل مال هذا فيأخذ هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن انقضت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من سيئاتهم .. فأوقع في النار. وقال سماحة مفتي عام المملكة رئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء أن المؤمن لايفرط في أعماله الصالحة دينه عنده أغلى من كل شيء والدنيا لاتبعده عن دينه ولاتخدعه عن إسلامه، وبين أن رجلا اشترى ناقة قال فلما اشتريتها خرج إلي صاحبها فقال ياهذا اشتريت مني، قال، قلت ،نعم، فقال هذه، قلت نعم، فقال فلأبين لك الأمر إنها ناقة سمينة بدينة هل تريدها للذبح للحم، فقلت بل للسفر، فقال استرجعها فإنها غير صالحة للسفر، ثم قال أتريد أن تفسد علي بيعي ، فقلت لا لكني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لايحل لامرئ مسلم أن يبيع سلعة وفيها عيب إلا بينه ولايحل لمن علمه إلا بينه، موضحا سماحته أن من الإيمان أن يسترجع المبيع ويوضح له أن هذه الناقة سليمة في ظاهرها لكنها غير قادرة على سلوك طريق الحج فأراد منه أن يوضح الحق حتى يكون على بصيرة، مبينا أن هذا من الإيمان الصادق الذي يحمل المسلم على الصدق ولو كان على نفسه ، فإذا كانت سلعته ليست بالكاملة فعليه أن يوضحها ويبينها حتى يكون الشاري على بصيرة ، قال تعالى : (( يا أيها الذين أمنوا لاتأكلوا أموالكم بينكم بالباطل )). وأكد سماحته على الشباب عدم الاغترار بالمشورة السيئة إلا وقد استشار أهل الرأي صواب إما خطأ فان أشار برأي سيء فأعلم أنه خائن لأمانته وخائن لك وإن أشار عليك بأرباب المذاهب الباطلة السيئة فاعلم أنه خائن لك غاش لك لأن الواجب عليه أن يدعوك إلى الخير وأن يحذرك من السوء، وإما أن يزج بك في ترهات الأمور فهذا كله من الخطأ، وما أضر كثير من شبابنا و أبناءنا إلا الدعايات المضللة من أهل الغش والخيانة الذين لم يتقوا الله في أنفسهم ولا في المسلمين . وأوضح أن المكاسب الطيبة بركة في الدنيا والآخرة ، والمكاسب الخبيثة ضرر في الدنيا والآخرة ، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم إن العبد ليقذف لقمة من حرام في جوفه ما يتقبل منه عمل أربعين يوما ، وكل لحم نبت من سحت فالنار أولى به، موصيا بمخافة الله تعالى والحذر من الغش والخداع والمكر وإخلاص الأعمال لله ، فالرزق الذي يأتي من طريق الصدق والبيان مبارك فيه حاضر ومستقبل ، والمكاسب الخبيثة وأن عظمت فإنه لاخير فيها .