في أواخر العام الماضي انتفض جيل الهبة الفلسطينية وأعلن تمرده على واقع أسلافه المهزومين، معلناً عدم انصياعه للعقلانية المزعومة والمنطق المعوج، ومؤمناً بأن الحرية لن تأتي من سلم وساسة في ظل غياب دفة القوة في ميدان التفاوض. هذا الجيل الذي وصل لحد اللامبالاة في مفهوم الخوف على الحياة، أعمارهم لا تتجاوز العشرين، وعدم قناعتهم بالحل السلمي مع الصهاينة رسم لهم طريقا جديدا في التعامل مع الواقع المرير، خصوصاً بعد التخاذل العربي والعالمي على انتهاكات الاحتلال للمسجد الأقصى المبارك للنساء والأطفال والشيوخ في باحاته. جيل الأقصى الجديد لم يشكل تنظيماً جديداً مسلحاً لأهداف سياسية أو اقتصادية، ولم ينتم إلى فصائل فلسطينية منظمة، ولم يعقد اجتماع قاعدة لمناقشة الأزمات، بل هم صبية ربطهم مصطلح النخوة، فعمل كل شبل منهم بمجهوده وتخطيطه على محاربة عدوه مستخدما سلاحه البتار على شكل خوصة (سكين). هذا الجيل الذي شكل بملامحه البريئة صورة مستقبلية لرجال التحرير، أرعب قادة الحكومة الصهيونية فعملت على تصفية الجيل بأكمله، وتدمير من يبقى منه فكريا واجتماعيا وثقافيا. فالحكومة الإسرائيلية وجهت بزيادة الحماية للمستوطنين الصهاينة في المناطق التي تجمعهم مع الفلسطينيين، فوزعت جنودها بشكل كبير على الحواجز ومواقف الحافلات خلف مكعبات إسمنتية، خوفا من عمليات الدهس والطعن، وأعطت أوامرها بقتل واستهداف الشبان والفتيات الفلسطينيين بذريعة الشك في القيام بعمليات دهس أو طعن، فانتشرت عمليات التصفية والإعدامات في الشوارع وعلى الحواجز أمام أنظار العالم أجمع. هذا النهج الإرهابي ليس بغريب على الاحتلال، فطالما عملت إسرائيل على تدمير جيل الشباب في المجتمع الفلسطيني بعقوبات جماعية وبأساليب خبيثة مدروسة، وهذا ما يتطلب توفير حماية لهذا الجيل واستثمار طاقاته فيما يدعم القضية الفلسطينية، وبما يصل بها إلى إخضاع اسرائيل ولو جزئيا بالقوة الشبابية لمطالب الفلسطينيين، فالاحتلال الإسرائيلي أثبت عبر السنين أنه لا يفهم إلا منطق القوة.