مرض نقص المناعة (إيدز) انضم إلى لائحة «الأعداء الخطرين» الذين يهدّدون روسيا، بعدما تجاوزت معدّلات انتشاره أكثر التوقُّعات تشاؤماً. لكن الحديث عنه ممنوع، ومن يقرع أجراس الخطر يُتّهم بأنه «عميل»، «يخدم مخططات أعداء الوطن». وأثار تقرير أصدره المركز الفيديرالي لمكافحة «الإيدز» جدلاً واسعاً وسجالات، إذ حمل تحذيراً هو «الأكثر جدّية منذ سنوات» كما يقول رئيس المركز فاديم بوكروفسكي. مناسبة صدور التقرير الذي كان له وقع الصدمة، تسجيل الحالة صاحبة الرقم مليون في روسيا، وهي سيدة من مدينة روستوف (26 سنة). ويقول بوكروفسكي أن العدد الحقيقي لحَمَلَة المرض القاتل، وفق تقديرات خبراء المركز يزيد على مليون ونصف مليون، نظراً إلى أن كثيرين لا يعرفون بإصابتهم مباشرة أو لا يلجأون إلى تسجيلها رسمياً. وبين معطيات التقرير أن 2 في المئة من الرجال بين سن 25 و40 سنة يحملون المرض، وهي نسبة تزيد قليلاً على معدلاتها لدى النساء. ويعدّ الإدمان على المخدرات (53 في المئة) والاتصال الجنسي (43 في المئة) أبرز أسباب تفشّي المرض، بينما تتوزّع النسب الباقية بين أسباب أخرى، منها نقل الدم والأخطاء الطبية والعلاقات الشاذّة. وقَتَلَ المرض خلال السنين العشر الماضية حوالى 200 ألف روسي، لكن التحذير الذي يطرحه المركز لا يقتصر على ازدياد معدّلات الوفيات بسبب الإيدز، بل يدق الأجراس بعنف بسبب معدّلات انتشاره التي ترتفع بدلاً من التراجع على غرار غالبية بلدان العالم. يكفي أن الرقم الإجمالي للمصابين المسجّلين رسمياً قفز من 742 ألفاً بداية العام الماضي، ما يعني إصابة اكثر من 250 ألف شخص بالمرض خلال سنة، وهذا معدل فاق كل التوقُّعات. وقبل أسابيع، حذّر رئيس الوزراء ديمتري مدفيديف من أن نسب الزيادة بلغت 10 في المئة سنوياً، واعتبرها «معدّلات خطرة جداً ولا يمكن التغاضي عنها». وقررت الحكومة مضاعفة موازنة مركز مكافحة الإيدز للعام 2016 مرتين لتبلغ 600 مليون دولار، وهي مخصصات ما زال الخبراء يعتبرونها متواضعة أمام الخطر الداهم، خصوصاً أن بوكروفسكي توقّع أن يتضاعف عدد المصابين مرتين خلال العامين المقبلين، إذا استمرت المعدّلات الحالية. وطالب بإجراءات عاجلة لمواجهة «التهديد القومي»، بينها فرض دروس للتّوعية في المدارس، وتبنّي برامج للرعاية الاجتماعية للمدمنين على المخدرات، مجرَّبة في عدد من البلدان. لكن صرخات المسؤول عن مكافحة المرض في روسيا، قوبلت بتشكيك وصل إلى درجة التخوين. إذ اتهم مجلس مدينة موسكو بوكروفسكي بـ «نشر الذعر»، واعتبره «عميلاً ينشط ضد مصالح روسيا». ورأى رئيس لجنة الصحة والمجتمع في المجلس المحلي للعاصمة الروسية، أليكسي سازوس، أن «الحديث عن تفشي الإيدز يدخل ضمن الحرب الإعلامية التي تهدف إلى تشويه صورة روسيا»، على خلفية المواجهة مع الغرب. وقدّم دليلاً بالإشارة إلى أن انتشار الإيدز في موسكو يبلغ أقل من واحد في المئة، وهذا «معدل متواضع» بالمقارنة مع واشنطن (3 في المئة) وكيب تاون (19 في المئة). لكن خبراء المركز أعربوا عن خيبة أمل لأن «المتذرّعين بالدفاع عن سمعة روسيا» يتجاهلون أن معدّلات تفشّي الإيدز تتراجع في غالبية بلدان العالم، بينما تتقدّم بسرعة في روسيا.