لقد كان: «الهياطُ» مفردةً في القاموسِ نائمة. وفي بطونِ كُتبِ المعاجمِ ثَاوية. وبينَ أيدي أهلِ اللغةِ جاثية. إذ ليسَ لها في استعمالِ الناسِ رسمٌ ولا مَبنى. وظلت حِقباً دونَ تعريفٍ ولا مَعنى. حتى أتى على الناسِ شاعرُ المليون. وطَفِقَ المستشعِرونَ إليه يُهرعُون. وما مِن أحدٍ فيهم يُقاربُ العوني أو ابنَ لَعبون. إذا ما استثنينَا الفراعنةَ وما سواهُ فابنُ لَبون. قد قابَ الفراعنةُ قوسَ الفطاحِل. وخاصةً إن دَحْدراً بلا جلَنطٍ أو فَرامِل. فسحب البساطَ من تحتِ لجنةِ الحَكم والتَّحكيم. وحطّم قوانينَهم بـ«ناقتي يا ناقتي» كلّ تحطِيم. فانبرى له واحدٌ هو المَطفوق. وهو الذي قد كانَ يُدعى بـ: صفوق. فقالَ للفراعنةِ دعْ عنكَ هذا «الهياط». فما أنتَ إلا دَعيّ صُراخٍ وعِياط. ومن حينها لفظُ الهياطِ شَاع. على كلّ لسانٍ وذَاع. وراحَ الناسُ عن معناها يُنقّبون. في كُتبِ المعاجمِ والقواميسِ يُفتِّشون. فعرفَ الناسُ لـ «الهياطِ» المَعنى. وصارت تُستعمَلُ في كلّ بيتٍ ومَبنى. وسُوّقت عَبر شيلاتٍ ومَغنى. وتناوَلَها الكَتبَةُ في الصّحافة. كأنّها العولمةُ أو أشدّ آفة. يشتركُ في قولِها الكبيرُ والصَّغير. ولا يفتأ ُعن ترديدِها الغنيُّ والفقير. إذ صار الناسُ في لفظِها سَواسِية. كأنّهم أسنانُ مشطٍ في راسيه. ولم يمضِ على الناسِ غير أشهرٍ وسَنة. حتى أُصيبوا بالغَباء والعنة. فانتقلَ الهياطُ من محضِ أقوالٍ إلى الأعمَال. وتأكدت كلُّ معانيهِ في الأفعال. إذ تنافسَ القوم هياطاً. فتراكضُوا في السّفه اعتباطاً. وباتَ كلٌّ يدّعيهِ وصْلاً وارتباطاً. فكلّهم يُمارسُهُ بحسبِ وضعِهِ وحالِه. مهايطٌ حافٍ وآخرٌ هياطُه بالخُفِّ أو بِنِعالِه. فذاك مبالغٌ مُستكثِر. وآخرٌ من قِلّ ما يجد مُقتّر. وفي الأخيرِ كلّهم لا ريبَ مسرفٌ مُبذّر. فمرّةً يأتي الهياطُ في القبيلة. من واحدٍ مُنتّفٍ هَبيلة. قد ارتدى السروالَ مِن دون الفنيلة. كأنه من سِمنه ابنٌ لتلك الفيلة. وتارةً يأتي الهياطُ مَذهبي. فالحقّ في مَشربِهم لا مَشربي. كذلكَ الهياطُ عمّ الطائفة. فوطنيَّةُ البلاد خائفة. حتى غدا الهياطُ فتنةً وعادة. لا تمييز فيه ما بين وِغدان قومٍ وسادة. ما ثَمَّ فرقٌ بين مخدّةٍ وَوِسَادة.. وكم قائلٍ إنّ الهياطَ داءُ مَن سَبق. قد أورَثُوه في جِيناتِ مَن لَحق. إنْ شِئتَ دليلاً فدونكَ القصائد. من شاعرٍ مُستعْرِبٍ أو بائد. فذاكَ عُرفٌ قَبَليٌّ وهو السائد. لا شيءِ بيننَا وبينهم تغيّر. هِياطهم مُدوّنٌ مُسطّر. هِياطُنَا مُمنتَجٌ مُصوّر. اتقوا الله. وذروا ما بقي من الهياط. فإنّ لكفر النعمةِ سوطاً وسياطاً. وبرهانُ ذلك مقاربةُ ما في النفط من الاحتياط. وما حلّ بالميزانية من عجزٍ وافتراط. أستغفرُ الله من حلول النّقمة. فما هكذا يكونُ شُكرُ النّعمة. ألا وإنّ المهايطين هُم إخوانُ الشياطين. ولن يَنهَهُم عن غيّهم غير السّلاطين. وما أحسِبُ أنَّ صغيرَ المهايطين سيَرْتَدِع. مالَم يرَ في الكبيرِ عبرةً فينتَفِع. ذلك وأنّ الهياطَ بدهنِ العودِ تغسيلا. لا شيءَ عندَ مَن رحّلَ للندنٍ سياراته ترحيلاً. فحجمُ الهياطِ لِمن استطاعَ إليه سبيلاً. تنوّعتِ المفاخر. فهياطُ ضعيفٍ بالمباخر. وهياطُ القويّ بالبواخر.