في رصيد إسرائيل، اطمئنان وثبات. قبل الربيع العربي. شكل النظام الرسمي العربي، شبكة أمان مربحة. مصر متمسكة بـكامب ديفيد، الأردن مستقر في وادي عربة، دول الخليج متصالحة مواربة معها ومن تبقى من النظام الرسمي، يتعاون بطرق التفافية وتحت مسمّيات مختلفة. في رصيد إسرائيل يقينيات: أميركا حليف يطيع ويطاع، برغم مبادرات أوباما الخطابية. الغرب حليف، بالرضى أو بالإكراه، ولا يجرؤ على معاندة اللوبيات الصهيونية المستقوية في مراكز القرار ومنصات الإعلام. مجلس الأمن مقيد اليدين ومغمض العينين عما يجري في فلسطين، واتفاق أوسلو وديعة في حضن إسرائيل. وفي رصيدها هذا لا يقلقها ان تشن عدوان تموز على لبنان أو الرصاص المسكوب على غزة و... بعد الربيع العربي استفاقت إسرائيل على مشهد غير متوقع: تونس تسقط رئيسها، مصر تطيح مبارك حارس كامب ديفيد، وسوريا تتفكك، والأردن على وشك المجهول. النظام العربي تفتت والبدائل، فوضى واحتمالات غير مستقرة. خافت إسرائيل من مصر، خافت على الأردن، وخافت من سوريا وعليها، فهي، وإن كانت ترى إلى الفوضى العربية انها صورة مثالية لها، لكنها تفضل الفوضى المضبوطة على الفوضى الفالتة، والتي أدت إلى انقلاب سياسي واجتماعي وجيوسياسي، لم يستقر بعد على حال. تخشى سوريا ان يسقط نظام معادٍ لها، تخشى تفكك الدولة التي ناصبتها الحروب والصمود، لتخلو الساحة إلى تنظيمات تكفيرية، تجد في القاعدة نصيراً ونموذجاً لا يردعه قانون ولا يعترف بقواعد القتال. هذا القلق تداويه إسرائيل بالانتظار والترقب. لكن ما لم تكن تنتظره، ان تقدم أميركا على ارتكاب خيانتين، ان صحّت أقوال المعلقين، في حق إسرائيل: وقف الضربة العسكرية لتأديب النظام السوري أو اقتلاعه، وعقد اتفاق مبدئي أولي مع إيران، حول الملف الإيراني النووي، وهو الملف الذي ترفعه إسرائيل، فزاعة لكيانها ووجودها. لم تفشل إسرائيل مرة، كــما فشــلت هــذا العــام. فالجــفاء بــين نتنــياهو وأوبــاما، لم يــكن متــوقعاً ان يؤدي إلى فجوة بين واشــنطن وتل أبيــب. القــضية الفلسطــينية وزحــف الاستيــطان، حظيا بدعــم ممتــعض من قــبل الإدارة الأمــيركية. ما تقــوله إسرائــيل، تحمــله أمــيركا عـلى انه من الثــوابــت. لكــن، ان تــصـل إلــى انتــقــال أوبــامــا مــن خــنــدق الاستــعــداد لــلــحــصار وضــرب إيــران إلــى مهــاتفــة تعقبــها خريطــة طريــق للتــفاهــــم حــول الملــف الإيــراني، فهــو مــا لــم تــتحمــله إسرائيــل. صحيح ان أميركا لم تنقل بندقيتها من كتف إلى كتف، ولكنها لم تعد رهن الرغبات الإسرائيلية. وهذا يعني، ان إسرائيل ممنوع عليها ان تعلن حرباً، وإلا فستكون وحيدة. وهكذا صارت الحرب على إيران من رابع المستحيلات. قلق مستجد في إسرائيل. تلوح في الأفق بوادر مقاطعة دولية اكاديمية. هل يكون ذلك أول الطريق، لإسقاط نظام جنوب افريقيا العنصري في فلسطين. تبقى إسرائيل، برغم ارتدادات الربيع العربي، دولة منيعة، قادرة على حماية نفسها، والتعامل مع المتغيرات بطرق متاحة... الربيع العربي وتحوَّل أميركا والمفاوضات مع الفلسطينيين، لا تشكل كوابيس لإسرائيل. يكفيها، كابوس المقاومة في لبنان، وهي التهديد الجدي الكبير، لإسرائيل. * نقلا عن السفير اللبنانية ** جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط.