قال الرئيس الفرنسي إن عودة إيران إلى المشهد الدولي بعد الاتفاق النووي «مرتبطة بإيران نفسها» التي «يتعين عليها أن تأتي بالبرهان على رغبتها» في الانخراط مجددا في المجتمع الدولي، في إشارة إلى ما ينتظر منها في تطبيق أمين للاتفاق ودروها في خفض نسبة التوتر في الأزمات الإقليمية التي لها علاقة، كما في سوريا والعراق ولبنان واليمن. بيد أن هولاند حرص على التأكيد على أن انفتاح فرنسا على إيران التي يزور رئيسها حسن روحاني باريس في 27 و28 الشهر الحالي، لن يكون على حساب علاقاتها مع البلدان الخليجية. ودعا هولاند إلى «خفض التوتر» في منطقة الخليج التي تعاني من تصاعده بين المملكة السعودية وإيران، معتبرا ذلك «أمرا ضروريا ولا مفر منه». ولم يتحدث الرئيس الفرنسي عن «وساطة» بين البلدين. إلا أنه بالمقابل، عرض خدمات بلاده التي «تتميز بوضع فريد وهو قدرتها على التحدث إلى الجميع». وسعيا منه لدفع أي سوء تفسير، أعاد هولاند التذكير بأنه كان «ضيف الشرف» لمجلس التعاون الخليجي العام الماضي عند التئامه في الرياض، مشددا على أن «شركاء فرنسا يستطيعون الاعتماد عليها وهم يعرفون ذلك»، مضيفا أنه «يسعى لأفضل العلاقات» مع بلدان الخليج. وبحسب المصادر الرئاسية، فإن باريس «بصدد إيصال عدد من رسائل» إلى الطرفين، لأن ذلك «ضروري للغاية إذا أردنا أن نجد مخارج وحلولا سياسية للبؤر المشتعلة في المنطقة»، ومنها، إلى جانب الملف السوري - العراقي والحرب على الإرهاب والنزاع في اليمن، الفراغ الرئاسي في لبنان. وتعول باريس على أن تلعب طهران دورا إيجابيا في مرحلة ما بعد التوقيع على الاتفاق النووي خصوصا في الملف السوري. بيد أن مصادر رئاسية أفادت أن هذا التوجه «لم ير النور حتى الآن» وأن باريس «ما زالت تنتظر». وإذ أعلن هولاند أنه سيزور مصر والأردن وسلطنة عمان «قريبا»، أفادت المصادر الرئاسية أن هذه الزيارة ستتم في شهر أبريل (نيسان) القادم. وعلمت «الشرق الأوسط» أن جولة هولاند ستبدأ في 16 أبريل من القاهرة. وبحسب الإليزيه، فإن زيارة لبنان ليست على أجندة الرئيس الفرنسي. لكن زيارة كهذه «ممكنة إذا تبين أنها ستكون مفيدة»، أي أن تساهم في ملء الفراغ وإخراج لبنان من أزمته الرئاسية التي تتواصل منذ مايو (أيار) 2014، وسيكون موضوع التوتر في الخليج على رأس المواضيع التي سيبحثها هولاند مع الرئيس روحاني خلال زيارته الأسبوع القادم إلى باريس. وجاءت تصريحات الرئيس الفرنسي في إطار كلمته التقليدية يوم الخميس أمام السلك الدبلوماسي المعتمد في باريس. وقد احتل الملف الإرهابي وتشعباته في سوريا والعراق وليبيا وبلدان الساحل وتداعياته في فرنسا وأوروبا حيزا واسعا في الكلمة الرئاسية، إضافة إلى التحديات التي تواجهها أوروبا من استفحال موضوع الهجرة واللجوء الكثيف إليها، ناهيك عن الصعوبات الاقتصادية والمخاطر المرتبطة باحتمال خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وفي الملف الإرهابي، أكد هولاند أن فرنسا «ستتحمل كافة مسؤولياته في العمل من أجل السلام ومحاربة الإرهاب لأن هذا هو دورها وقدرها أن تكون في المقدمة وأن تقوم بما لا يستطيع الآخرون القيام به»، مضيفا أن بلاده «ليست عدوة لأي شعب أو ديانة أو حضارة لكن لها عدو واحد هو الإرهاب الذي يتلطى بالدين لتلطيخ اسمه، إذ إن غرضه الوحيد هو التدمير»، في إشارة إلى «داعش» الذي تبنى العمليات الإرهابية الأخيرة التي ضربت باريس. ومنذ شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، يؤكد هولاند في كل مناسبة أن باريس في «حالة حرب ضد الإرهاب» في الداخل والخارج، وأن غرضها في الخارج «تدمير داعش في معاقله وتمدداته». وبعد تمديد حالة الطوارئ مرة أولى في فرنسا حتى نهاية فبراير (شباط) القادم، تعد الحكومة مشروعا جديدا لمد العمل بحالة الطوارئ لثلاثة أشهر إضافية، بحجة أن التهديد الإرهابي «ما زال في مستواه المرتفع جدا». وينتظر أن يبدأ مجلسا النواب والشيوخ في بداية الشهر القادم البحث في مشروع قانون التعديل الدستوري الذي تقدمت به الحكومة والذي أبرز مضامينه نزع الجنسية عن الفرنسيين مزدوجي الجنسية حتى وإن كانوا ولدوا على الأراضي الفرنسية. ويثير هذا المشروع جدلا كبيرا حتى داخل اليسار والحزب الاشتراكي اللذين تتشكل منهما الأكثرية الحاكمة. لكن رئيس الحكومة مانويل فالس أثار أمس جدلا قويا، إذ قال في مقابلة صحافية مع «بي بي سي» إن باريس «ستبقي على حالة الطوارئ طالما بقي التهديد الإرهابي وحتى نستطيع التخلص من داعش»، مضيفا أن باستطاعة الحكومة أن تلجأ إلى استخدام «كافة الوسائل لمحاربته». لكن مكتب فالس قال لوكالة الصحافة الفرنسية بعد ظهر أمس إن الحكومة «لا تنوي أبدا» مد حالة الطوارئ إلى ما لا نهاية. رسم هولاند سريعا صورة لـ«قوس الأزمات»، حيث يضرب الإرهاب من إندونيسيا إلى بوركينا فاسو مرورا بباكستان وأفغانستان وبلدان الشرق الأوسط وصولا إلى بلدان الساحل وشرق أفريقيا وغربها. وشدد هولاند على التهديد الإرهابي في بلدان الساحل وأفريقيا حيث لفرنسا نفوذ تقليدي، وحيث أعادت نشر قواتها في بلدان الساحل من أجل محاربة الإرهاب أكان ذلك في مالي أو النيجر أو بوركينا فاسو وحتى نيجيريا. ورأى الرئيس الفرنسي أن العمليات الإرهابي الأخيرة في بلدان الساحل وتحديدا في مالي وبوركينا فاسو «تبرر» حضور فرنسا العسكري، في إطار ما يسمى «عملية بركان». من جانبه، قال وزير الدفاع جان إيف لو دريان أمس للقناة الإخبارية «فرانس 24» إن ضربات التحالف في سوريا والعراق قضت على 22 ألف متشدد من «داعش» منذ بدئها في شهر سبتمبر (أيلول) من عام 2014، أما وزير الخارجية الأميركي جون كيري فقد أكد أن «داعش» خسرت 40 في المائة من الأراضي التي كانت تسيطر عليها في العراق ونحو 20 إلى 30 من مجمل الأراضي التي كانت تحت هيمنتها في سوريا والعراق. وبحسب لو دريان فإن «داعش» «أصبح في وضع هش»، وهو ما توصل إليه وزراء الدفاع لأكبر سبع دول مساهمة في التحالف الدولي ضد تنظيم داعش. وفي هذا الإطار، أعلن هولاند أن «وتيرة العمليات ستتسارع» وأن فرنسا «تؤدي دورها كاملا فيها»، مضيفا أن الاستراتيجية التي تم التأكيد عليها في الاجتماع المذكور «تمر عبر تحرير مدينتي الرقة في سوريا والموصل في العراق، لأن هناك تقع مراكز قيادة (تنظيم) الدولة الإسلامية». وأشار إلى «التأكيد مجددا إلى رغبتنا (...) في تقديم دعمنا للقوات العربية والكردية التي تقاتل (داعش) على الأرض»، إذ إن ذلك، في نظره، «ضروري أن أردنا تحرير الرقة والموصل وكافة الأراضي السورية والعراقية» التي سقطت بأيدي التنظيم. بيد أن الإرهاب يضرب كذلك أفريقيا، ولعل أبرز دليل على ذلك ما عرفته واغادوغو وقبلها باماكو من أعمال إرهابية، وما تعاني منه ليبيا التي وصل إليها تنظيم داعش ويسعى للتمدد فيها. وقال هولاند إن «الإرهاب يدمي أفريقيا»، متوقفا عند ليبيا «حيث وجد الإرهاب معقلا له»، مستفيدا، وفق ما قال، من «الفوضى الضاربة» في هذا البلد. واعتبر الرئيس الفرنسي تشكيل حكومة اتحاد وطني «خطوة حاسمة» لخروجه من وضعه الحالي، شرط أن يوافق البرلمان الليبي على الحكومة الجديدة. وأشار هولاند لاستعداد فرنسا للمساهمة في «مساعدة الحكومة الجديدة وتحديدا تأهيل الكوادر والقوى الأمنية لأن في ذلك مصلحة لليبيا ولأفريقيا ولأوروبا أيضا». وقالت مصادر رئاسية بعد خطاب هولاند إن باريس «ستكون جاهزة عندما يصبح لنا في طرابلس محاور وحيد»، مستبعدا، في المرحلة الراهنة الحديث عن القيام بعمليات عسكرية في ليبيا. بيد أنه ربط أي عمل عسكري مستقبلي قد يحصل في ليبيا بأن يأتي في إطار القانون الدولي وبطبيعة الحال، بموافقة وطلب السلطات الليبية الشرعية، أي حكومة الوحدة الوطنية الجديدة. واعتبرت هذه المصادر أن ليبيا مرشحة لاستقبال المزيد من المتشددين «لأن هناك نوعا من الأوعية المتصلة» بين ما يحصل في سوريا - العراق وما يحصل في ليبيا، حيث إن زيادة الضغط العسكري على «داعش» في سوريا - العراق تدفع بالمتشددين للتوجه إلى ليبيا.