في مقال سابق نبهتُ إلى أهمية دخول برمجيات الحاسب إلى مناهج التعليم لما لها من حضور كبير في حياتنا العملية والعلمية، واليوم وقد تولى قيادة التربية والتعليم الأمير خالد الفيصل أعود إلى الدعوة لضرورة تطوير مناهج التعليم في مجال التقنية عموما، لا في مجال البرمجيات فحسب، لكن بما يتصل بتقنيات الحاسب، سيجد المتابع قصورا في التعليم بأدوات التحكم بها وقصورا في التربية بأخلاقيات البيئة التي تتكون منها، وأعني بيئة الانترنت والمجتمعات الافتراضية. فبما يخص الأدوات، تبرز البرمجيات ممثلة لأكثر الأدوات عمقا وقربا على المستوى المعرفي للمستخدم، فالبرمجيات تمثل فرعا للمنطق الرياضي واللغوي معا، فهي تعتمد القياس والحساب، إضافة إلى البنية اللغوية التي تمكن القارئ من فهم الأوامر التي ترسل إلى الحاسب لتنفيذها. لذا، عرف عبر تاريخ الحاسبات قدرة صغار السن على تعلم لغات البرمجة، مما كان له عظيم الأثر على مستقبلهم الشخصي ومستقبل مجتمعاتهم. فصاحب أكبر شركة برمجيات في العالم، بيل جيتس، قام بكتابة أول برنامج حاسوبي وهو في سن الثالثة عشرة، لم يكن ذلك على الأرجح نتيجة لنبوغه فحسب، كما قد يتبادر إلى الذهن، بل نتيجة لتطور البرمجيات ولغاتها أيضا. فمنذ السبعينيات أصبح من المتاح لمن يعرف الكتابة والقراءة وقليلا من الرياضيات، أن يكتب برنامجا حاسوبيا بمفرده، لذلك شارك بيل قيتس مؤخرا في حملة لتشجيع طلاب المدارس على البدء في كتابة برمجيات حاسوبية في سن مبكرة. ففي حملة (code.org) قام ما يزيد عن عشرين مليون طالب وطالبة حول العالم بقضاء ساعة كاملة من البرمجة، ونتج من ذلك كتابة ما يقرب من سبع مئة مليون سطر برمجي حتى الآن. كل ذلك، يدل على وجود تحرك عالمي نحو تعلم البرمجيات من سن مبكرة لما لهذه الأداة الحاسوبية من قدرة على تغيير العالم. أما ما يخص أخلاقيات الانترنت والمجتمعات الافتراضية، فتبرز أهمية حماية خصوصية الفرد. فالخصوصية الفردية مرتبطة بشكل وثيق بالأمن الشخصي، ومع نمو حضور المجتمعات الافتراضية في حياتنا، ودخول نسبة كبيرة من أبنائنا إلى هذه البيئات، فإن من الواجب تدريب الطلاب على أدوات حماية الخصوصية الفردية، وأخلاقيات التعاملات الالكترونية. ففي جانب حماية الخصوصية الفردية، فإن من المهم توعية الطفل من سن مبكرة لمخاطر هذه البيئة الافتراضية كما تتم توعيتهم لمخاطر البيئة المادية. فعلى الطفل أن يعرف أن تواصله عبر الحاسب لا يعني بالضرورة أنه مجهول المكان والهوية. فمستخدم الحاسب عند دخوله إلى بيئة الانترنت والمشاركة في مجتمعاتها وأدواتها يخلف وراءه أثرا معلوماتيا يشبه فتات الخبز، يمكن جمعه ثم تكوين فكرة دقيقة عن هوية ومكان المستخدم، بما قد يجعله معرضا للخطر. فعلى المستخدم أن يعرف كيف يحمي خصوصيته بما يمتلكه من أدوات تقنية وبما يجب أن يتحلى به من أخلاقيات وأعراف تساهم في خلق بيئة افتراضية صحية. إن تدريب طلاب المدارس بمنهجية صحيحة منذ سن مبكرة على البرمجيات وأخلاقيات استخدامها له الأثر الكبير في إصلاح كثير من المظاهر السلبية التي يعاني منها المجتمع نتيجة للاستخدام غير الواعي لهذه الوسائل، فنحن أمام موجات كبيرة من التغيير لا نمتلك معه ترف تجاهلها ولا تمكين الممارسات السيئة أن تكون المعلم الأول.