×
محافظة المنطقة الشرقية

أطباء: كثرة النوم تُسبِّب أمراض القلب والدماغ

صورة الخبر

على أبواب العام الجديد يحمل الكثير من المفكرين والمحللين والناشطين العرب من المعنيين بقضايا الديمقراطية والتحول الديمقراطي ذكريات بائسة عن عام 2013 . وفي ظل هذه الذكريات لا يملك هؤلاء إلا أن يتطلعوا إلى العام الجديد وأحداثه المتوقعة بالقلق والتشاؤم . لقد توقعوا أن تكون الانتفاضات وحركات الاحتجاج والتغيير التي انتشرت في المنطقة مدخلاً للانتقال الديمقراطي، ولكن التغيير المرتقب اندفع، لسبب من الأسباب، في مسار يبعد عن تلك التوقعات المتفائلة وباتجاه شتى أنواع العداوات المجتمعية والانقسامات الأهلية والحروب والانفجارات والنزاعات المسلحة . إن البعض يأمل، ولو متردداً، في أن يكون هذا المسار تكراراً لما جرى في أوروبا خلال منتصف القرن التاسع عشر، أي أن يسود السلام في المنطقة بعد أن تستهلك هذه الصراعات نفسها . ولكن ليس هناك في التاريخ ما يضمن تكراره . قبل أن نسترسل في هذا النوع من التوقعات المتشائمة، لعل من المفيد أن نتساءل عن صوابها، وعن صواب التوقعات المتفائلة بالأمس . يعتقد البعض-ومنهم هذا الكاتب- أن التوقعات التي انتشرت في مطلع ما دعي الربيع العربي ما كانت في محلها، وأن التوقعات البالغة التشاؤم اليوم هي أيضاً في غير محلها . ففي المرحلتين استندت التوقعات إلى نظرة ليست واقعية إلى حال الديمقراطية في المنطقة العربية . الخطأ الأكبر الذي وقع فيه أصحاب هذه التوقعات هو الاعتقاد بأن المعارضات العربية باتت مقتنعة، كل الاقتناع، بالديمقراطية، وأن هذه المعارضات التي ذاقت مرارة الملاحقة والاضطهاد السياسي والنهج الاقصائي، سوف تبذل كل جهد وتلجأ إلى كل وسيلة تسوغها المبادئ والتقاليد الديمقراطية لتيسير الانتقال إلى النظام الديمقراطي والدفاع عنه وحمايته من الثورات المضادة . أي أن أصحاب تلك التوقعات ظنوا أن الالتزام بالفكر والممارسة الديمقراطية عميق في صفوف المعارضين، كافة المعارضين، إلى درجة أن المعارضات العربية بسائر فصائلها وعلى اختلاف تنوعاتها العقائدية والسياسية والجهوية، لن تقف موقف الحياد في أي صراع بين الديمقراطيين وغير الديمقراطيين، بل إنها ستلقي بثقلها، بحكم حجمها الشعبي والسياسي، إلى جانب القوى الديمقراطية وتعتبر نفسها حاملاً لرسالتها حتى ولو تخلى عنها البعض . استطراداً ضاع الفرق بين دعاة التغيير، من جهة، وبين دعاة التغيير الديمقراطي من جهة أخرى . الانتباه لهذا الفارق كان ولا يزال أمراً مهماً للغاية . فبين دعاة التغيير فحسب من يروم إقامة نظام أكثر إطلاقية من النظم القائمة . ثم إن الفارق لا يظهر في أهداف التغيير فحسب، بل في الوسائل التي يستخدمها دعاته أيضاً . فدعاة التغيير الديمقراطي، وجلهم من الإصلاحيين، يحاذرون استخدام العنف ويفضلون التغيير السلمي ويضعون نصب أعينهم دوماً مبدأ حق الإنسان في الحياة، فلا يفرطون به تحقيقاً لنتائج مستعجلة . أما دعاة التغيير فحسب فإنهم خليط واسع قد يضم من يعتمدون العنف طريقاً مفضلاً لوصولهم إلى السلطة أو للاحتفاظ بها والتمترس فيها . اتسمت النظرة التي أغفلت التمييز بين الديمقراطيين وغير الديمقراطيين بالاغراق-من وجهة نظر ديمقراطية- في التفاؤل، وفي بعض الأحيان بالسذاجة لأنها لم تنطلق من تحليل دقيق لموقف القوى السياسية العربية المختلفة تجاه الديمقراطية . كان من المستطاع، استناداً إلى مؤشرات ومعايير محددة، التمييز بين درجة التزام هذه القوى بالفكر والممارسة الديمقراطيين وصولاً إلى تعريف الديمقراطيين وغير الديمقراطيين . ولكن المشكلة في المنطقة العربية أن اللون الرمادي كان منتشراً وواسعاً بين هذه القوى إلى درجة تعذر الوصول إلى مثل هذا التحديد أحياناً . الأهم من ذلك، أن الإغراق في التفاؤل كان له ما يبرره أحياناً لأن أكثر القوى المعارضة في المنطقة أعلنت التزامها الأكيد بالديمقراطية، وباتت تكرره في كل مناسبة خاصة على الصعيدين الإقليمي والدولي . واستخدم العديد من هذه القوى شطاراته اللفظية والسياسية ومنابره الإعلامية والدعاوية الواسعة لإسدال ستار كثيف من التعمية على موقف تلك القوى الحقيقي تجاه الديمقراطية . ولا بد أن يشهد المرء هنا لهذه القوى بالمهارة السياسية بحيث شجعت الآخرين على الاسترسال في نظرتهم المتفائلة تجاهها . فضلاً عن هذا وذاك، فإن بعض دعاة التغيير الديمقراطي في المنطقة استغرقوا في التفاؤل إذ حللوا الأوضاع العربية بنمط من التفكير الرغائبي الذي يضفي على الواقع صورة تعكس آمال الإصلاحيين دون أن تقترب من الحقيقة . يطل العام الجديد على قوى الإصلاح الديمقراطي وهي تعاني، في كثير من الأحيان، متاعب مزدوجة: متاعب مع النخب السياسية التي تعارض التغيير ولا ترى ضروراته والحاجات إليه، ومتاعب مع النخب المضادة التي تنهج، حتى خلال مرحلة الانتقال، نهجاً استئثارياً تبرز مقدماته في التعامل مع الحركات الأخرى بأسلوب استعلائي وبالتقليل من أهمية مساهماتها في الحياة العامة، وفي السعي إلى تحويلها إلى مجرد أدوات وأصداء فارغة لمن يملك القوة المادية والسياسية . هذا الواقع مليء بالصعوبات وربما بالنكسات، ولكنه غير ميؤوس منه . وتستطيع القوى الديمقراطية الخروج منه إذا توقفت عن تجيير نشاطاتها إلى دعاة التغيير غير الديمقراطي، وإذا اتجهت إلى عقد ميثاق ديمقراطي بين فصائلها المختلفة الوطنية والعربية وإذا بلورت أجندة مستقلة تكون أساساً لتحركها الإقليمي والدولي . هذا النهج قد لا يؤدي إلى نتائج إصلاحية سريعة في المنطقة العربية، ولكن من الأرجح أن يأتينا بعام جديد أفضل من العام الغارب . * نقلا عن الخليج الإماراتية ** جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط.