هل بات التدخل العسكري في ليبيا مسألة وقت؟ علامة استفهام ترتفع في الأسابيع الأخيرة إلى عنان السماء لا سيما في ضوء ما يتردد عن تنسيق أميركي فرنسي على نحو خاص وبقيادة الجنرال الإيطالي باولو سيرا، والحديث يتجاوز مرحلة التخطيط إلى التنفيذ الذي بات قاب قوسين أو أدنى، والدليل على ذلك ما أشارت إليه بعض المصادر من إبلاغ واشنطن وباريس لعدد من الدول المجاورة لليبيا بالأمر،... هل جرت الأقدار بما يستلفت الانتباه في هذا السياق؟ ربما تكون هناك في واقع الحال أكثر من إشارة تدلل على ذلك، وفي المقدمة منها ما جاء في خطاب حالة الاتحاد الأميركي من قبل الرئيس أوباما، وطلبه التفويض العسكري من الكونغرس، من أجل الاستجابة بفعالية لمواجهة خطر تنظيم داعش، وإن لم يكن التفويض يعني إعلان حالة حرب وتحريك الكثير من القوات الأميركية كما حدث في العراق وأفغانستان في العقد المنصرم، سيما أن التركيز الأميركي الآن، يستخدم تكتيكًا عسكريًا يعتمد على قلة العدد، وكثافة النيران. هل سيلجأ أوباما إلى هذا الخيار ليدفع عن نفسه تهمة التخاذل في مواجهة «داعش» التي تلاحقه في سوريا؟ الدليل الآخر الذي يقودنا للاعتقاد بأن موعد المعركة يقترب، يتمثل في البيان الذي صدر في الحادي عشر من الشهر الحالي عن جامعة الدول العربية، في أعقاب الاجتماع الاستثنائي لمجلس الجامعة على المستوى الوزاري، والذي أشار إلى أن «تمدد (داعش) وتصاعد عملياته في ربوع ليبيا يحتم على دول الجوار والمنطقة والمجتمع الدولي التعجيل في وضع خطة واضحة المعالم يكون من شأنها إنقاذ ليبيا من براثن الإرهاب، وحمايتها من تداعيات الفوضى التي تغذي انتشاره». هل بات التدخل العسكري في ليبيا واجب الوجود بالفعل؟ يبدو أن التمدد الداعشي هناك يكاد يكون حقيقة مؤلمة ومخيفة تهدد شمال أفريقيا، وبنفس القدر تزعج الجانب المشاطئ لأوروبا والأوروبيين، سيما أن تنظيم داعش يسعى لأن تكون حقول نفط ليبيا هي البديل عن نفط العراق وسوريا. يستلفت الانتباه أن هناك مخاوف متعاظمة لدى واشنطن وبروكسل، وبنفس القدر لدى بكين وموسكو، من إمكانية انتشار «داعش» وتوغله في قلب القارة الأفريقية، حيث تضع القوى الأربع الكبرى نصب أعينها ثروات القارة الطبيعية وعليه فهي تخشى تخليق كيان «داعشي» أوسع مع دول الجوار الأفريقية القريبة من ليبيا مثل نيجيريا والكاميرون وتشاد، حيث يوجد تنظيم «بوكو حرام»، التابع لـ«داعش» آيديولوجيًا، والمنافح والمدافع عنه تنظيميًا ولوجستيًا. السؤال الجوهري هنا والذي لا يوجد له جواب واضح حتى الساعة: «على أي مشروعية سوف يتم التنادي لمثل هذا التدخل؟» وهل يمكن أن يحدث رغم الإرادة الليبية غير الموحدة بين الليبيين أنفسهم، ما يمكن أن يمثل كعب أخيل للقوى الدولية؟ مؤخرًا كان محمد الدايري، وزير الخارجية الليبي، يعلن أن بلاده لا تحتاج لأي تدخل أجنبي للتعامل مع التهديدات الأمنية، بما في ذلك الإرهاب، غير أن واقع الحال يؤكد أن التدخل الأجنبي قائم بالفعل في ليبيا منذ وقت طويل، وما الطائرات المجهولة التي قصفت الأيام الماضية قافلة لتنظيم داعش، قرب مدينة سرت إلا دليل على ذلك. كيف يمكن أن يكون شكل التدخل المنتظر عسكريًا في ليبيا؟ حكمًا لن تغامر الولايات المتحدة أو غيرها من الدول الأوروبية بإرسال عشرات الآلاف من الجنود إلى رمال الصحارى الليبية المتحركة، فذلك سيكون مهلكًا للبشر وللجهود، سيما أن ما يجري هناك مواجهات مع ميليشيات محترفة حروب العصابات والشوارع، لا أنها جيوش نظامية معروف نظم تسليحها وعقيدتها القتالية. أضف إلى ذلك أن مخازن السلاح الموروثة عن زمن القذافي جعلت الأسلحة والذخائر متاحة ومباحة للقاصي والداني في الداخل الليبي من الشمال إلى الجنوب ومن شرق البلاد إلى غربها، وعليه فإن أقرب السيناريوهات هو العمليات القتالية الخاصة في مواقع تجمع «داعش». هل سيكون التدخل خلوًا من مشاركة عربية مسلحة؟ ربما يحتاج الأمر هذه المرة لقرار من جامعة الدول العربية، والحاجة إليه أشد من القرار السابق الذي سوّغ لمجلس الأمن إعطاء الضوء الأخضر في 2011 لإسقاط القذافي، غير أن الإشكالية الحقيقية هي جبهات القتال العربي المفتوحة والمتعددة، ما يعني أن دول الجوار العربي تحديدًا سيلقى عليها عبء المشاركة، وبخاصة أنها صاحبة التهديد الأكبر فيما يخص أمنها القومي. أخطر ما يمكن أن ينشأ عن مثل هذا التدخل هو ألا تكون هناك رؤية سياسية مواكبة له للمصالحة الداخلية، فقد أثبتت التجربة في العراق وسوريا، أن التدخل العسكري الخارجي، دون وجود استراتيجية سياسية لليوم التالي لوقف إطلاق النار، وبخاصة في ظل غياب الدول المؤسساتية، وسيادة منطق القبلية والطائفية، هو أمر مروع، فالشعوب لن تتكاتف جهودها من أجل مواجهة الإرهاب والقوى الظلامية، إلا إذا رأت بصيص أمل حقيقي في سيناريوهات بعث حقيقي من بين الركام. في هذا الإطار لا بد أن تمضي الجهود في سبيل بلورة اتفاق سياسي يجمع الأطراف الليبية المتنازعة والمتشارعة، في مسار موازٍ للتدخل العسكري الوشيك لمواجهة «داعش» والقضاء عليه، إنها الثنائية العقلانية التي كان ولا يزال على الجميع الاعتقاد بها وفيها، سيما في ضوء حسابات الحقل في مواضع ومواقع عالمية من أفغانستان إلى العراق مرورًا بسوريا والتي جاءت منافية ومجافية لحسابات البيدر.