×
محافظة المنطقة الشرقية

الخارجية: سجل إيران حافل بنشر الفتن والقلاقل والاضطرابات في دول المنطقة منذ قيام الثورة الإيرانية

صورة الخبر

نكتب هنا عن مهرجان المربد، الذي انتهت دورته الحادية عشرة قبل أيام في مدينة البصرة، لأنه كان أساسًا مهرجانًا عربيًا قبل أن يكون عراقيًا. معظم الشعراء العرب البارزين آنذاك كنزار قباني ومحمد الفيتوري ومحمود درويش شاركوا فيه منذ دورته الأولى 1971. وانطلقت منه أيضًا أصوات شعرية عراقية إلى باقي الوطن العربي، كيوسف الصائغ وحسب الشيخ جعفر على سبيل المثال. ويمكن القول إنه كان مهرجان العرب الشعري الأول، كما كان قديمًا في العصر الأموي والعباسي، حين كان يؤمه جرير والفرزدق وبشار بن برد وأبو نواس، مع الفارق بالطبع. وعلى الرغم من ارتباط هذا المهرجان في العهد الصدامي بوزارة الثقافة، فإنه حافظ على استقلالية نسبية، حرص عليها النظام البعثي في بدايته لكسب المثقفين العرب، وخصوصًا اليساريين، في محاولة لتحويل بغداد إلى عاصمة للثقافة العربية «التقدمية»، ليس حبًا بعاصمة الرشيد، بل تحقيقًا لرغبة صدام حسين في أن يصبح زعيمًا قوميًا، سياسيًا وثقافيًا، مدعومًا بقوة المال، وقد نجح في ذلك إلى حد بعيد، ولو لحين. وبعد 1979، حين شن النظام البعثي حملة قمع شاملة على كل معارضيه، وفي مقدمتهم المثقفون، فقد هذا المهرجان أهميته في الحياة الثقافية العربية والعراقية، وأصبح حاله حال كل الأجهزة الثقافية الأخرى، أداة إعلامية وتعبوية فجة لتبرير سياسة النظام، وتجميل وجهه القبيح. في ذلك الوقت، هاجر نحو 500 مثقف عراقي، ونسبة كبيرة منهم شعراء، وفي مقدمتهم الجواهري. ومن لم يهاجر صمت، أو سجن، أو قتل. كانت مجزرة ثقافية نادرة، كما أصبح معروفًا. ومع ذلك، واصل بعض الشعراء العرب، ومنهم شعراء مهمون، حضور دورات المهرجان، وإن على استحياء، وبشيء من الشعور بالذنب لخيانتهم زملاءهم العراقيين المنفيين. ومع مرور الزمن، بهت بريق المربد شيئًا فشيئًا، خصوصًا بعدما فقد النظام كل قدراته المالية على منح العطايا أثناء الحصار في أعقاب غزو الكويت، ثم توقف نهائيًا، حاله حال الكثير من مناحي الحياة العراقية الأخرى، الثقافية وغير الثقافية. ويبدو أن محاولة إعادة الحياة إليه، بعد 2003، لا تزال مهمة عسيرة في دولة لا تزال لحد الآن تمشي على رأسها بدل قدميها، وحيث الجهل السياسي والثقافي، الذي طرد أفضل العقول العراقية، وركنها في الزوايا، لا يزال هو القوة السائدة. دورة بعد دورة، بعدما استأنف نشاطه عام 2004، يزداد مهرجان المربد تهافتًا على تهافت، ولا يزال القائمون عليه مصرين على تذكيرنا كل عام بتهافت التهافت هذا، على الرغم من دعوات قسم كبير من المثقفين العراقيين لإنقاذه أو دفنه للأبد، وتوظيف ما يصرف عليه فيما هو نافع، لما يلحقه من ضرر كبير بصورة الثقافة العراقية العريقة، الغنية برموزها الثقافية، في الداخل والخارج، هذه الرموز التي يصر القائمون على شؤون المهرجان على تغييبها دورة بعد دورة، لتحل محلها وجوه عراقية وعربية، أقل ما يقال فيها إنها طارئة على الحياة الأدبية والثقافية، أو إنها، في أحسن الأحوال، لا تزال تحبو متعثرة على تخومها. ومن يتفحص قوائم المدعوين في الدورة الأخيرة، التي تجاوزت الثلاثمائة مدعو ومدعوة، سيجد أنها تضم نسبة كبيرة من أسماء عربية من الجنسين لم يسمع بها أحد، ويبدو أن أغلبها أصدقاء «فيسبوكيون» لأصحاب الدعوة، ممن لا يميزون فعلا بين الفاعل والمفعول، ويفتقد «نتاجهم» على «فيسبوك» والمواقع «الثقافية» السائبة لأبسط الشروط الفنية والإبداعية. وبالمقابل، يتم، وبإصرار عجيب، تجاهل الشعراء والكتاب العراقيين الذين يعيشون في الخارج، هؤلاء الذين حافظوا مبكرًا على شرف ونقاوة الثقافة العراقية، ورفضوا الخضوع للسلطة البعثية، وعانوا ما عانوا في الوطن والمنفى، والذين لا خلاف على أهميتهم الأدبية عراقيًا وعربيًا. لم يتم هذا التجاهل في دورة واحدة، بل في كل الدورات، ما عدا أسماء قليلة جدًا، ولأسباب ليست أدبية دائمًا. حضور هذا المهرجان لم يعد للأسف يشرف أحدًا، كما عبرت إحدى الشاعرات العراقيات، مختصرة آراء معظم المثقفين في الداخل والخارج. ولا يكفي أن نتساءل عن المسؤول عن ذلك، أو نريح أنفسنا بالقول إن ما يجري هو مجرد انعكاس للوضع السياسي، أو إنه مجرد مهرجان كغيره من المهرجانات الأخرى. مهرجان المربد صورة ثقافية لما يجري في العراق، وانعكاس «أدبي» لما أورثه النظام البعثي من تسطيح لمفهوم الثقافة ووظيفتها، والحط من قيمتها عبر إزاحة ممثليها الحقيقيين بمختلف الأشكال، واصطناع ممثلين زائفين. هذا ما تحاول إعادة إنتاجه الآن الطوائف الثقافية في المجتمع العراقي، وقد يكون المربد الوجه الأكثر براءة في الصورة.