تأثرت بالقول المشهور: «المعترف بالذنب كمن لا ذنب له». وتأثرت كذلك من قصة اعتذار رجل عندما أتى إلى جعفر بن يحيى فقال له جعفر: «قد أغناك الله بالعذر عن الاعتذار، وأغنانا بحسن النية عن سوء الظن». كل هذه الأقوال الحكيمة عملت في نفسي مفعول السحر، فاندفعت طائعا بكل براءة وغباء، مثلما يندفع الخروف إلى مذبح جزاره، وذهبت إلى رجل (لا يحلل ولا يحرم) لكي أعتذر له عن خطأ ارتكبته في حقه، على أمل أن يكون كجعفر بن يحيى. وما أن سمع اعتذاري أو بالأحرى اعترافي حتى تهللت أساريره، ففرحت أكثر معتقدا أن الرجل قد أكبر شجاعتي، فهدأ علي قائلا لي وهو لا زال يبتسم: الله جابك، أجلس، أجلس، ثم مد لي بيده قارورة ماء صغيرة باردة قائلا لي: اشرب، وجلست بكل أدب أشرب، وقام هو من مكانه وأحضر ورقة وقلما، وطلب مني أن أسجل اعتذاري واعترافي خطيا، ففعلت ذلك أيضا بكل أريحية وعن طيب خاطر، ولكنني ما أن وقعت على نهاية كتابتي، حتى نتش الورقة من يدي بكل جلافة واختفت ابتسامته نهائيا وحل محلها تقطيبة حواجبه، ثم انتفض واقفا وهو يقول لي بصوت جهوري: ألا تعلم أن الاعتراف هو سيد الأدلة؟!، لقد وقعت في (المصيدة يا حلو)، ولن تخرج منها إلا بعد أن تعرف أن الله حق، وغدا يوم الاثنين إن شاء الله سوف تجرجر في المحكمة، والآن لو سمحت (توكل على الله)، اخرج ـ والحمد لله أنه لم يقل لي: الخلا. وخرجت فعلا أجر أذيال الخيبة، وأضرب (كفا بقدم). ولم أنم تلك الليلة من شدة القلق انتظارا لأسوأ (اثنين أسود) قد يمر علي في حياتي، وما أن أشرقت الشمس الكئيبة في ذلك اليوم الكئيب حتى بدأت الاتصالات التلفونية بمحام أعرفه عله يخرجني من ورطتي هذه التي أوقعت نفسي فيها. وعندما شرحت له حالتي، قال لي متهكما: ألم تقرأ الحقيقة القائلة: إن الغباء ما هو إلا خبز عالمي؟!، ولكن يبدو أنك أكلت من ذلك الخبز حتى انبشمت، وعليك أن تدفع الثمن يا حبيبي. قلت له: ليس لدي مانع أن أدفعه، ولكن دخيلك لا أريد أن أجرجر بالمحاكم، فأنت تعرفني فأنا إنسان (لا أهش ولا أنش). لا أريد أن أطيل عليكم ولا (أدبل كبودكم) بقدر ما هي مندبلة خلقة، فالقضية يا سادتي انتهت ضدي (100%). ومن يومها إلى الآن لم أعد أعتذر من أحد، ولم أعد أعترف بأي خطأ من أخطائي وما أكثرها.