بعد يوم واحد من تسلمها مقاليد الأمور في البرلمان للمرة الأولى منذ 1999، بدأت المواجهة المستعرة في فنزويلا بين المعارضة اليمينية وحكومة الرئيس نيكولاس مادورو، وريث هوغو شافيز، المصمم على تعقيد مهمة النواب في بلد يعاني اقتصاده من ضعف كبير. فبعد مراسم أداء القسم، التي شهدت ضجيجا ومغادرة النواب «الشافيزيين» للقاعة، تولى البرلمان رسميا مهامه أول من أمس وأعلن عزمه على تحدي الرئيس، إذ قال الرئيس الجديد للبرلمان هنري راموس آلوب، المعارض الشرس لمادورو، إنه «اعتبارا من اليوم ستتغير الأمور»، مؤكدا نيته أن يقترح خلال «مهلة ستة أشهر» طريقة «دستورية لتغيير الحكومة». ولم يتأخر الرد طويلا، إذ سرعان ما رد على هذه التصريحات، الرئيس الفنزويلي، محذرا من أنه سيدافع «بيد من حديد» عن الديمقراطية والاستقرار في البلاد، وأكد أن المعارضة لن تدفعه إلى «التراجع ولا تخيفه». وأعربت المعارضة أيضا عن نيتها إجراء تصويت على قانون عفو عن 75 سجينا سياسيا أحصتهم، وبينهم المعارض الراديكالي ليوبولدو لوبيز (44 عاما)، الذي حكم عليه بالسجن نحو 14 عاما بتهمة التحريض على العنف خلال مظاهرات 2014 التي أسفرت عن مقتل 43 شخصا. لكن رغم سيطرة المعارضة أول من أمس على البرلمان في فنزويلا للمرة الأولى منذ 1999 فإنها لم تحقق الأغلبية الموصوفة المحددة بالثلثين، التي تسمح لها بصلاحيات واسعة، ذلك أن 163 فقط من النواب الـ167 هم الذين تولوا مهامهم رسميا. كما علق تسلم أربعة نواب، ثلاثة منهم من المعارضة، وواحد من المريدين لمادورو، مهامهم مؤقتا بقرار من محكمة العدل العليا. لكن رغم كل ذلك فإن المعارضة تملك غالبية الثلاثة أخماس (109 نواب) التي تسمح لها بتبني إجراءات مهمة من معارضة المراسيم الرئاسية لمادورو، إلى التصويت على مذكرات بحجب الثقة عن وزراء وغيرها. ورغم أن أعلى سلطة قضائية في البلاد قررت في نهاية سبتمبر (أيلول) الماضي تعليق انتخاب أربعة نواب في ولاية أمازوناس (جنوب). إلا أن المعارضة لا تعترف بقرار المحكمة العليا التي تعتبرها حليفة للتيار الشافيزي. ولذلك عبرت الولايات المتحدة عن الأمل في حل «شفاف» لهذا النزاع. وكانت أغلبية الثلثين ستسمح للمعارضة بالدعوة إلى استفتاء، وتشكيل مجلس تأسيسي، وحتى تقليص مدة ولاية الرئيس، وبالتالي التسبب في رحيله المبكر. وليل الاثنين أكد الرئيس مادورو في تصريحات نقلها التلفزيون أنه يضمن تولي النواب لمهامهم «بسلام»، وقد شكل ذلك مؤشر تهدئة، بعد أسابيع من التوتر، يتعارض مع مرسوم الرئيس الذي يسحب من البرلمان صلاحية تعيين رئيس للمصرف المركزي. وبموجب القانون، الذي نشر في الجريدة الرسمية أول من أمس، فقد منح مادورو لنفسه صلاحية تعيين رئيس ومديرون المصرف المركزي، وهي الهيئة التي تدير السياسة النقدية للبلاد، علما بأن هذه السلطة كانت تعود سابقا إلى البرلمان. ونص مرسوم مادورو على أن المصرف المركزي لفنزويلا يمكنه أن «يعلق مؤقتا نشر معلومات خلال الفترات التي تشهد فيها البلاد وضعا داخليا أو خارجيا، يشكل تهديدا للأمن القومي أو للاستقرار الاقتصادي». وهذا الإجراء الجديد سيقلص هامش المناورة لدى المعارضة، التي وعدت باتخاذ إجراءات لمواجهة الأزمة الاقتصادية العميقة التي تشهدها فنزويلا، بعد أن بلغت نسبة التضخم 200 في المائة، وتراجع إجمالي الناتج الداخلي 10 في المائة في 2015، كما يقول محللون. وإلى جانب الاقتصاد، بات الفنزويليون يخشون من المواجهة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في هذا النظام الرئاسي. ولذلك يرى محللون أن القدرة على حكم البلاد وحماية استقرارها ستكون مرتبطة بالطريقة التي سيدير فيها تيار شافيز هزيمته والمعارضة أغلبيتها التشريعية وانقساماتها الداخلية، كما قال لويس فيسنتي ليون، رئيس معهد استطلاعات الرأي «داتانالايزس».