×
محافظة جازان

«صحة جازان» تغلق مجمعاً طبياً وقسمين لفحص الوافدين

صورة الخبر

دبي - يوسف أبولوز: تستند مسرحية الفارس إلى ما يقارب ال30 قصيدة من شعر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، والقصائد مختارة بعناية جمالية وثقافية واضحة، كما أنها تدور في ثلاثة فضاءات.. شعر الفروسية، وشعر الحكمة، وشعر القلب، أو شعر العاطفة الإنسانية الشفافة الغنية بمشاعر دافئة؛ هي أصلاً من طبيعة شعر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم. شعر الفروسية، أيضاً، يتعدى مفهوم علاقة الفارس بالخيل، فالنبل فروسية، والكرم فروسية، والبطولة والشجاعة فروسية، وهذه تمثلت في شخصية فارس بطل العمل الملحمي الغنائي، الذي قام بدور متماسك ومرن طيلة عرض استمر إلى نحو 45 دقيقة، مع فريق متكامل ومتآلف في الأداء المسرحي الباهر. الفارس قادم من روح أبي الطيب المتنبي، أي أنه قادم من تاريخ أصيل، وعندما خاض الحرب لاسترداد شموس من غيران المملوء بالحقد والكراهية، فإنما خاض الحرب بنبل وفروسية وحكمة أيضاً، فهو لم يحارب من أجل الحرب، وإنما من أجل استرداد حق، أو تحرير حب من فئة ظلامية خارجة من الخرائب والكهوف، ثم خاض حربه العادلة والشجاعة بالرأي والمشورة وضبط النفس، وهذه علامات نبل وفروسية، فهو أي فارس أو الفارس، أكثر من مرة يمنع معاونه من البطش بأعدائه، خصوصاً في حضرة الحكيم، حيث حاول غيران التطاول على فارس، لكن الأخير ملأ ذلك المشهد بحضور القوة والشجاعة، لقد بدا غيران مهزوزاً، وموضع سخرية، عندما قرأ شعراً ركيكاً، وبدا نكرة هزأة أمام حضور فارس الذي أنشد شعراً هو حقاً أوضح من الشمس، وفي رأيي أن هذا المشهد هو مركز العمل المسرحي لقوته، بل، لقوة روح الشعر: أوضح من الشمس شعري يوم اغني به تبهر معانيه مسموعه ومكتوبه لا ما أعيبه ولا ارضى حد يعيبه أسهر عليه الليالي أنفي عيوبه من عادتي في الشعر اني أحلي به مجالس عن صغار الناس محجوبه ما أغمز ولا ألمز ولا أجرح به ولا آذي به ثوبي وكل شاعر له في الشعر ثوبه الحكمة أمّا شعر الحكمة فهو مكمل لشعر الفروسية وشعر القلب، على هذه الروافع الأدبية الراقية قامت المسرحية، وهي حكمة شاعر وحكمة فارس.. فارس يصبر على الدهر، ويجازي به بإحسان، فارس خيل وعقل؛ تنقاد له الحكمة، وتجري على لسانه بيسر وثقة. شعر القلب، أو شعر العاطفة هو في الواقع ندى المسرحية، إن جازت العبارة، وأشير هنا إلى أن المسرحية قامت على قصائد نبطية هي قريبة في روحها وفي بنائها للفصحى، ولذلك فهي قريبة تماماً من المتلقي، ومفهومة المعاني، وشعر القلب، يذهب مباشرة إلى القلب. حطني في عيونك وغمّض/.. خلني أعيش في عيونك.. وبالقليل من التدوير لهذا البيت يتحول إلى فصحى. يقوم شعر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم على الصدق والصفاء والبساطة العميقة. شعر واضح المعنى وواضح المبنى. ولذلك، كان من السهل على فريق العمل المسرحي أن يتعامل من نصوص تلائم طبيعة المسرح الغنائي، ذلك أن غنائية شعر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، هي غنائية اللغة في حد ذاتها، لغة شعرية مرنة، مملوءة بالحياة، ودفء الجمال. أنتقل الآن إلى نقطة أرى أنها مهمة، وهي أن العمل المسرحي المتدفق بالحياة والحيوية يقوم على اللغة العربية الفصحى، وفي المسرح الغنائي بشكل خاص على المخرج، بل وعلى فريق العمل كله، إذا كان العمل يقوم على اللغة العربية الفصحى فعليه أن يمتلك كفاءة عالية في التعامل مع هذه النقطة بالذات، وقد ظهرت هذه الكفاءة في مسرحية الفارس، التي وفرت ترجمة إنجليزية للنص العربي الفصيح على شاشتين جانبيتين في فضاء المسرح. الحكيم نشير أيضاً إلى شخصية الحكيم وهي شخصية قوية، وحميمة أيضاً، تماماً مثل شخصية المرأة التي تظهر فجأة في طريق فارس، وتعطيه بعض إشارات طريقه، والشخصيتان لهما دوران متكاملان، ويختفي الحكيم، كما تختفي المرأة، في دورين مؤثرين. لقد طعّم الحكيم العمل المسرحي بروح إنسانية دافئة، وكانت عباراته الحكيمة منهاج طريق للفارس، ودليلاً لروحه: يقول الحكيم لا تيأس ولا تغرق مثلهم في الظلام، ويقول عبارة مؤثرة أيضاً؛ وهي الحرب أسوأ خبرات البشرية، ومما قال أيضاً تزيل الجبل إذا جزأته. الحكيم بثيابه البيضاء وعصاه ينطوي هو الآخر على شعرية خصوصية. إنه يتحرك في فضاء المسرح بهذه الثياب، فتحيل شخصيته إلى الطهرانية والنقاء، ولذلك يجيبه فارس في أحد الحوارات قائلاً: أيها الحكيم لقد وهبتني الكثير من أعماقك، لقد وهبه الثقة، يقول الحكيم الثقة كائن حي.. لكن يرحل الحكيم، وتبقى الحكمة. لقد زرع في أعماق الفارس المدينة الحلم. (لؤلؤة من دبي المدينة المفعمة بالحياة والإبداع)، وسوف يحقق الفارس هذه المدينة بنقائها، وتنوعها، وانتمائها إلى المدينة وروح العصر، وقد خلق الله للصعاب رجالاً. الخيل من جانب آخر نشير هنا إلى ثيمة واضحة في العمل وهي الخيل، وولّي ما يعرف الخيل يظلمها، والفارس يعرف الخيل جيداً. يعرف أصولها ومعدنها وأخلاقها.. معرفة رجل يجمع بين الفروسية والشعر. الخيل هي معنى وجوهر، والخيل علامة عز وجاه ونبل، ومن أجمل المشاهد في المسرحية مرور الخيل من أمام المسرح، بعد أن ظهرت أكثر من مرة على الشاشة السينمائية في خلفية العرض. مرور الخيل أعطى العمل المسرحي روحاً حيوية مبهجة. خيل في المشهد المسرحي، وخيل في المشهد الواقعي الحيوي. خيل في الشعر، وخيل في الحياة، وكل ذلك تعزيز قوي للعمل المسرحي، وتعزيز آخر لشخصية الفارس التي هي نقطة ارتكاز المسرحية. الشاشة والخشبة بنقاء بصري شفاف؛ تظهر الشاشة السينمائية في خلفية العرض صوراً بالغة النقاء، وتنساب هذه الصور لتتكامل مع الخشبة. على الخشبة مجاميع متحركة بين الأداء المسرحي الحواري، والأداء الغنائي محاط بإضاءة تبدو غنائية شعرية هي الأخرى، وسينوغرافيا متحركة أيضاً، وأزياء مبهرة، ولياقة مسرحية بدنية ظاهرة في حركة الممثلين. يتألف العمل من أكثر من 800 فنان من 30 جنسية، في أداء قريب من روح الأوبرا، ويقوم على الموسيقى السيمفونية.. استعراض، يرافقه غناء، بين روح المسرح وروح السينما، التي تعززها الشاشة، وكل ذلك في إيقاع مسرحي منظم وموزون. ليس من السهل ضبط 800 فنان في فضاء مسرحي بهذا الزخم وبهذه القوة.. وعلى أية حال يتألق من جديد الفنان المبدع مروان الرحباني ذو المرجعية المسرحية الغنائية المجددة دائماً، والمفاجئة دائماً بهذا الوعي الجمالي والثقافي الذي يدعو دائماً إلى المحبة والخير والسلام.