يتناول الروائي الجزائري الصدّيق حاج أحمد في روايته الجديدة "كاماراد.. رفيق الحيف والضياع"، الصادرة حديثا عن دار "فضاءات" الأردنية، واحدا من مواضيع الساعة وهو "الهجرة السرية"، غير أنه اختار زاويته الخاصةفي التناول، عندما انطلق من عمق مجتمع دولة النيجر، حيث منابع الظاهرة. ويبدو من الصعب للقارئ غير العارف بالكاتب أن يدرك أنه جزائري انطلاقا من المتن، لأن الجزائر لم تكن إلا أرض عبور إلى الفردوس الأوروبي مرورا بالمغربقبل الخيبة التي أعادت البطل مامادو ورفاقه إلى نقطة البداية. وقبل أن يكرر مغامرته السيزيفية كان عليه أن يلتقي مخرجا سينمائيا فرنسيا اسمه جاك بلوز في العاصمة النيجرية نيامي، كان هو الآخر يجرّ خيبة فشله في الفوز بإحدى جوائز مهرجان كان السينمائي، فرحل يبحث عن موضوع "طازج" يتدارك به الفشل ويحوّله إلى نجاح. ومن هناك تبدأ الحكاية على لسان مامادو الذي لم يكن يتوقع أن تصبح مغامرة حياته مجرد حكاية قد تتحوّل إلى فيلم سينمائي، لا يهم إن كان ناجحا بقدر ما يهمه أن يقبض بعض المال من ذلك الأوروبي الذي كان يمكن أن يلتقيه في الضفة الشمالية من المتوسط لا في عمق الصحراء بعيدا عن الضفة الجنوبية منه. الروائي الصدّيق حاج أحمد يبحث عن جذور حكايته عند نهر النيجر(الجزيرة) جنوب وشمال كانت خيبة المخرج جاك بلوز كبيرة إلى درجة جعلته يسافر جنوبا، في الوقت الذي فشل فيه المواطن النيجري مامادو في اجتياز السياج في المغرب للعبور شمالا نحو إسبانيا. كُتب عليهما الفشل في السنة نفسها (2012)، ليتحوّل ذلك إلى لقاء جميل عند نهر النيجر، وتبدأ الحكاية التي أريد لها أن تتحوّل إلى السينما. بلغة الصورة يسرد المغامر الأفريقي الفاشل أدق التفاصيل، ليكتشف فيه السينمائي موهبة حقيقية في كتابة السيناريو، ويساعده بعد ذلك في ولوج هذا العالم، وقبل ذلك كان علينا الاستماع إلى تلك التفاصيل الدقيقة للرحلة التي قادت مغامرين من النيجر نحو الجزائر ثم المغرب، ومحاولة التسلل إلى الأراضي الإسبانية قبل اكتشاف أمرهم ليعودوا مكرهين إلى بلدهم الأصلي. إنها المغامرة السردية الثانية للجزائري الصدّيق حاج أحمد بعد "مملكة الزيوان" التي صدرت قبل نحو سنتين، ولئن تناول النص الأول شأنا غارقا في محلية الجنوب الجزائري (منطقة أدرار)، فإن النص الثاني جاء "عابرا" للبلدان والثقافات، انطلاقا من تيمة الهجرة السرية التي تناولتها أقلام كثيرة. عن هذا الاختيار يقول الكاتب "يرجع اختياري تيمة الهجرة غير الشرعية للأفارقة إلى كون منطقة أدرار تعد أرض عبور واستقرار للأفارقة، فقد سنحت لي فرصة التقرّب من هامش عوالمهم وما يعانونه من بؤس وشقاء ومعاناة، مما حفّزني على كتابة هذه الرواية". وأضاف في تصريح للجزيرة نت أن "النص قدّم طرائق جديدة، لم تكن مألوفة من قبل، فضلا على عجن السرد بالسينما، وهو أمر غاية في الأهمية، مما يجعل تحويل النص السردي إلى صورة فيلم أمرا سهلا وميسورا". وعن مصادر الحكاية يقول حاج أحمد إنها كثيرة، حيث"قرأت كثيرا في تاريخ وسوسيولوجية هذا المجتمع، كما قمت برحلات إلى هناك وعايشت المجتمع، ومن ثم أمكنني تكوين صورة معرفية عنه، سمحت لي أخيرا أن أتخيل صناعة بطل هناك أخرج به من حيّه الفقير". سعيد بوطاجين: مؤلف "كاماراد" اقترب من المحيط الخارجي للأحداث(الجزيرة) معجم متنوع ويرى الناقد الجزائري سعيد بوطاجين أن رواية "كاماراد" من التجارب المهمة التي تناولت حياة الأفارقة وموضوع الهجرة غير النظامية، وتمثل ذلك في عدة أصعدة، أولها سفر المؤلف إلى مالي والنيجر لمعرفة الحقائق، بصرف النظر عن تدخل الخيال ومساهمته في ترقية المعنى وتقويته. وأضاف بوطاجين في حديث للجزيرة نت أن المؤلف عاين الأجواء ورسمها جيدا، كما أنه اقترب من المحيط الخارجي للأحداث، ليستثمرها لاحقا بالطريقة التي يراهامناسبة لعمله وبلغة تقرّب المتلقي من الأحداث والمشاهد ومن الواقع الممكن، بصرف النظر عن الجدل الذي قد يثار حولها، خاصة عند الاستعانة بمعجم متنوع، أو بتوظيف "مستويات لغوية" دالة على انتماءات معينة". ويستطرد أن الرواية "تحمل عدة قضايا يمكن أن يهتمّ بها المتلقي، سواء كان قارئا عاديا أو متخصصا أو أكاديميا، لكننا لا يمكن أن نقرأها دون أن ندخل في عالم ضاج بالمساءلات.