ظهرت في الآفاق في الآونة الأخيرة مجموعة من المصطلحات العلمية لم نكن نسمع بها منذ عقد أو عقدين، وأكثر هذه المصطلحات تداولاً هذه الأيام مصطلح تقنية النانو أو Nanotechnology التي أصبح الحديث عنها لا ينقطع. نجحت تقنيات النانو في بسط سيطرتها على كل المجالات، مثل الهندسة وعلم الأحياء والكيمياء والحوسبة وعلوم المواد والتطبيقات العسكرية والاتصالات، فأعادت رسم خريطة الحياة الإنسانية. كما لعبت دوراً رائداً في تحسين أساليب التصنيع، وأنظمة تنقية المياه، وشبكات الطاقة، وعززت الصحة البدنية وطرق إنتاج الأغذية، وأثرت إيجاباً في البنى التحتية لصناعة السيارات، والمنتجات الأخرى. وكان للتقنية دور مهم في مجال الضوء أيضاً، بعد أن نجح تشارلز ليبر، البروفيسور في جامعة هارفارد، في تصميم أسلاك السيلكون عند مستوى النانو التي تتمتع بإمكانية تشغيلها وإيقافها في وجود فيروس واحد بشكل كهربائي. فعند اتحاد فيروس ما بأحد المستقبلات فإنه يرسل شحنة كهربائية تدل على وجوده، ما سيمكن الأطباء من اكتشاف العدوى الفيروسية في المراحل المبكرة من غزو الفيروسات للجسم. ونشر علماء في جامعة Bilkent التركية في أنقرة، نتائج أبحاث لهم في صحيفة Applied Optics في واشنطن. إذ ابتكروا أسلاكاً تمتص قدراً أكبر من الضوء يفوق ما كانت تمتصه من قبل بنسبة 23%. وتكمن أهمية امتصاص كمية أكبر من الضوء، في أن تطبيقاً نانوياً واحداً يمكنه تحويل الضوء إلى كهرباء تستخدم في تشغيل الأدوات الصغيرة. وتعتبر أسلاك النانو من التقنيات الحديثة التي لا تزال قيد البحث لاكتشاف الكثير من فوائدها، وعندما تُصنع الأسلاك الدقيقة من أشباه موصلات مثل السيلكون، فإن الضوء الذي يصطدم بالسلك يطرد الإلكترونات من الشبكة البلورية تاركة خلفها ثقوباً موجبة الشحنة. وتتحرك الإلكترونات والثقوب موجبة الشحنة عبر المادة لتتولد بذلك الكهرباء. ويمكن الاستفادة من الأدوات التي تحول الضوء إلى كهرباء في صنع خلايا شمسية أو مجسات ضوء. وكان الباحثون قدموا في 2007 مجساً ضوئياً مفرداً يعمل بتقنية النانو، وكانت له القدرة على إنتاج كمية من الكهرباء من ضوء الشمس، نحو 200 بيكووات (10-12 من الواط)، والتي كانت كافية لتشغيل دوائر كهربائية على مستوى مقياس النانو. وتمكن في الأخيرة فريق بحثي أوربي من تصميم خلية شمسية من أسلاك النانو بكفاءة جاوزت 14%، مكونة من الإينديوم والفوسفور. بيد أن معدل الكفاءة هذا ليس كافياً للإطاحة بأفضل شبكات الطاقة المصنوعة من السيلكون البلوري الموجودة في الأسواق حالياً، إلا أنه من الممكن أن تميل الكفة لمصلحة الخلايا الشمسية النانوية لرخص سعرها عن تلك المصنوعة من السيلكون، لتميز أسلاك النانو بإمكانية استخدامها في مجالات أكبر من دون استهلاك مواد أكثر. ويقول بيهميت بايندير، مدير المركز الوطني لأبحاث تقنيات النانو في جامعة Bilkent في أنقرة: نتوقع استخداماً كبيراً لمجسات النانو الضوئية، ويمكن أن تؤدي جهودنا في تحقيق مستوى أعلى من الكفاءة إلى ابتكار جيل جديد من مجسات الضوء سوف تكون لها الغلبة في أسواق التكنولوجيا. وتوصل بايندير وزميله تورال خودييف، الذي انضم حالياً لفريق معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، إلى أنه يمكن الحصول على درجة الكفاءة المرغوبة عن طريق ضبط هندسة السلك النانوي بطريقة ما. فأسلاك النانو دائماً ما تكون طويلة ومستقيمة، وتعني أبعادها الدقيقة أنه يمكن تداخلها مع الضوء بشكل يختلف عن تداخل المواد العادية. وستتوافق أطوال موجية معينة للضوء بالطريقة ذاتها التي تتوافق بها مع أبعاد أسلاك النانو، ما يسبب إرجاع الضوء، مثل الصدى، أو اهتزازه داخل السلك. ويسمى هذا بارتداد ماي - Mie، نسبة إلى عالم الفيزياء الألماني جوستاف ماي الذي طور معادلة في أوائل القرن العشرين، وصف بها سبب إضاءة جزيئات المعدن الدقيقة للنوافذ الزجاجية الملونة. ويحدث ارتداد ماي في أسلاك النانو المستقيمة، إلا أنه عندما ثنى بايندير وخودييف السلك المستقيم وجعلاه حلزونياً، وجدا أنه في الإمكان مضاعفة كفاءته. وإضافة إلى ذلك، أصبح السلك أقصر عند ثنيه للأعلى، ووفر بذلك نحو 50% مما يشغله من مساحة. وسوف تؤدي زيادة كمية الضوء التي يمتصها السلك الحلزوني إلى فتح آفاق جديدة أمام تصميم أدوات نانوية يمكنها تشغيل ذاتها، مثل المجسات المستخدمة في اكتشاف السموم البيئية، أو تلك التي تراقب السلامة الهيكلية للجسور. وينتج السلك الحلزوني كمية أكبر من الضوء، ومن ثم طاقة أعلى على المستوى الطيفي. وعليه، يمكن تعديله هندسياً لتشغيل أنظمة نانوية عبر نظم الخلايا الكهروضوئية، بحسب خودييف. وحسب الباحثون الكفاءة الزائدة باستخدام أداة حاسوبية متقدمة، ستُدمج في الخطوة المقبلة داخل نظام ليفي نانوي، بحسب بايندير. وطور الفريق بالفعل طريقة سهلة لإنتاج حلزونيات النانو بصنع سبائك طويلة أولاً، ثم تسخينها حتى درجة حرارة يمكن ثنيها عندها لتتخذ أشكالاً حلزونية. ويمكن تنويع التقنية للتحكم في قطر الحلزون وشدة انثنائه.