راجعت قبل أيام إحدى الإدارات الحكومية في منطقة من مناطق المملكة العربية السعودية بعيدة عن مقر سكني، ووجدت معاملتي معطلة لأمر صغير، بعد المرور على أكثر من موظف تحركت المعاملة بحمد الله وبدأت في الانطلاق، تفاعل الموظفون تفاعلاً جميلاً عندما علموا ببعد المسافات التي قطعتها من أجل هذا الأمر الصغير، وقالوا والابتسامات تزين وجوه بعضهم: لم يكن الأمر يستحق كل ذلك! بعد أن ضمنت سير المعاملة، سألت: يعني الأمور الآن تمام بحول الله! قالوا: قل إن شاء الله! قلت: يعني لم تنته! قالوا: لا! بقي الشوط الأخير! فكرت بناءً على التجربة السابقة، أن هذا الشوط الأخير يحتاج مني مراجعة جديدة وهذا ما لا أستطيعه، وما دامت ابتسامات هؤلاء الرجال تملأ وجوههم، والعرب يكرمون ضيوفهم بأغلى ما يملكون، لماذا لا أطلب منهم أمراً يسيراً لن يكون مثل استضافتي في بيوتهم أو مراجعة الأقسام الأخرى القريبة منهم بالنيابة عني، رغم أن هذه الأمور يسيرة بالنسبة للعربي الذي يرى أن الكرم مكون من مكونات حياته، والمسلم الذي يسعى لنيل الثواب والدعوات ممن ساهم في إنهاء معاناتهم، وهنا قررت أن أطلب رقم جوال أحدهم وأتواصل معه للسؤال فقط عن المعاملة عند عودتها لهم بحول الله! ما إن طلبت من الموظف الأول رقم جواله حتى تغير وجهه، وقال: آسف! لا أستطيع! ولكني أقدر أساعدك وأعطيك رقم جوال زميلي! قلت: زميلك أستطيع أخذ جواله منه، ولكني أريد رقم جوالك أنت الذي لم يعد اليوم سراً! كرر أسفه، فلم أر أن الموضوع يستحق إراقة ماء الوجه من أجله، وذهبت إلى الموظف الثاني وكان في وسط زملائه، وقلت: أريد جوال أحدكم، للتواصل معه من أجل التأكد منه عن عودة معاملتي حتى أقوم بإجراءاتي الأخرى، فالمسافات بيني وبينكم كما رأيتم بعيدة! وكان الرد أيضاً بالاعتذار، فلا أحد منهم يستطيع تلبية طلبي الخطير الذي يظهر أنه يحمل الكثير من التضحيات! لم أستطع القول إلا: كم ابتعد بعض موظفينا عن أخلاقنا الأصيلة!