الأمريكيون مشهورورن بجهلهم في جغرافيا العالم. وفي حين أن كثيرين منهم يأسفون لذلك، إلاّ أن هذا الجهل كثيراً ما يتمّ التغافل عنه باعتباره ثغرة ثقافية لا تحتاج إلى سدٍّ فعلاً- والأمر شبيه إلى حدٍّ ما بالإلمام بالنظام المتري: فهو مفيد نظرياً، ولكنه شيء يَقنع معظم الناس بالعيش من دونه. وأحد أحدث الأمثلة التي يجري الاستشهاد بها على نطاق واسع، يشي بالحقيقة في ما يتعلق باكتساب الأمريكيين للمعرفة بشؤون العالم، وهي أن المُعلّم الذي يعتمد عليه كثير من الأمريكيين هو هوليوود. جاء في افتتاحية لصحيفة ذي ناشيونال الظبيانية: أنّ أسبوعاً من السخرية العالمية من استطلاع رأي جاء في نتيجته أن نحو 30% من الناخبين الجمهوريين في الولايات المتحدة، يؤيدون هجوماً عسكرياً على المدينة العربية الخيالية، أغرَبَة، لم يرحل بالخبر بعيداً على بساط سحري. ففي استطلاع رأي جديد، أجراه مركز ويلسون بيكينز ألِن للأبحاث، قال 44% من الناخبين الديمقراطيين الذين شملهم الاستطلاع، إنهم يؤيدون قبول الولايات المتحدة لاجئين من أغربة، وهي موقع خيالي مأخوذ من البلاد التي يقيم فيها علاء الدين في أفلام ديزني للرسوم المتحركة.. وقال نحو 28%، إنهم غير معنيّين بالموضوع. والاستطلاع الأخير يلقي الضوء على مشاعر عامة الناس في الولايات إزاء الشرق الأوسط. ومن الواضح أن الجهل في جغرافيا المنطقة وسكانها، يمتدّ عبر الخطوط بين الحزبين. إنه لا يَعبُر الخطوط بين الحزبين وحسب، بل يوحّد بعض الخبراء مع مَن يعتبرونهم بسذاجة عالمين بالأمور وأهلاً للثقة بهم والاعتماد عليهم. وعلى سبيل المثال، في مقالة عن "كلاوسفيتز"(الجنرال والمُنظر العسكري البروسي 1780-1831) وداعش، كنت قد نشرتها في الآونة الأخيرة، نقلتُ عن ديفيد جونسون، وهو عالِمٌ سياسيٌّ رفيع في مؤسسة راند، قوله: إذا ما ذهبتَ إلى اسطنبول ونظرتَ جنوباً، ترى دولة الخلافة هناك مترامية أمامك، وتستطيع أن تشير إليها. إنها دولة تعتبرنا عدوّاً. فما السّرُّ في الأمر؟. قبل أن يلتحق جونسون بمؤسسة رانْد، عمل 24 عاماً في الجيش الأمريكي في مجموعة متنوعة من مهامّ القيادة والأركان، في الولايات المتحدة وكوريا وأوروبا، ولذلك ربما لا يكون قد ذهب إلى اسطنبول. فلو كان فعل، لعَرَفَ أنك إذا نظرت جنوباً فسوف ترى بحر مرمرة وما وراءه، أي النصف الجنوبي من منطقة مرمرة التركية. والمنطقة الواقعة تحت سيطرة داعش، لا تلوح في الأفق، لأنها تقع على بعد مئات الأميال إلى الشرق والجنوب الشرقي، خارج حدود تركيا في سوريا والعراق. لِندْعُ ذلك مثالاً على الجهل الفعلي، الذي قد يُعتبَر خَصيصَةً أمريكية. إن الجهل ليس جريمة. صحيح أنه ما مِن شيءٍ أهمَّ من إدراك المرء حدودَ معرفته، إذا كان لتلك المعرفة أن تتطوّر. ولكن أسوأ الأخطاء، هو أن يتصوّر المرء أنه يعرف (أو يرغب في التظاهر بأنه يعرف) ما لا يعرف. هذا هو ما يقود إلى الآراء الخاطئة بشأن مصير مدينة أغربة وسكانها الوهميّين. ولنا أن نتخيَّل كم ستكون شبكة الإنترنت أقلًّ صخباً (أو كم سيقلّ عدد مَن لا يعرفون في استطلاعات الرأي) لو مارس كل شخص قليلاً من الاحتياط والانضباط في التفريق بين ما هو معروف وما هو غير معروف، والتمييز بين الحقيقة والرأي، والاعتراف بأن ما اختار أن يُردِّد ليس إلاّ شائعات متداولة. *كاتب صحفي متعدد الاهتمامات، يعيش في الولايات المتحدة. (موقع: وور إنْ كُنتِكسْت)