يُسدل الستار على عام طويل وحافل، يغص بالكثير من الأحداث والمواقف والصور والذكريات والتطورات الكبرى التي غيرت من وجه العالم العربي، بل والعالم بأسره. لقد اختصر هذا العام الذي يُغادر على عجل بعد أن حزم حقائبه الكبيرة والكثيرة والتي غصّت بها كل تلك الطموحات والآمال والتطلعات التي يحملها المواطن العربي من المحيط إلى الخليج، تماماً كما حمل معه أي عام الكثير من الخيبات والانكسارات والنكبات، ومن رحم هاتين الحالتين المتناقضتين يبدأ عام جديد يلفّه البياض والطهر والأمل، ويُباركه الطموح والتحدي والإصرار، ولكنه كما يبدو على موعد لم يُحدد بعد مع الكثير من التطورات والتحولات والأزمات التي تنتظر ساعة الصفر. في مثل هذه الأيام من كل عام، تنشر المؤسسات والشركات والبنوك والوزارات والحكومات "كشف حساب" دقيقا ومفصلا لكل الأرقام والإحصائيات والنسب والأرباح والخسائر والإيرادات والمصروفات والميزانيات التي حفل بها العام المنصرم، وذلك من أجل المزيد من المصداقية والشفافية والوضوح. كشف حساب كهذا، يُمثل ثقافة وسلوكاً ونهجاً، ويُسهم في عمل مراجعة شاملة وفرز شفاف للوصول إلى مكامن القوة والتميز والتطور والإنجاز والإبداع، وكذلك لتلمّس ملامح الضعف والترهل والبيروقراطية والتراجع والتدهور. وكم هو محزن حد الألم، غياب هذه القيمة الحضارية الراقية عن أغلب تفاصيلنا الصغيرة والكبيرة، بينما تسود العشوائية والمزاجية والشللية والكيفماشائية البعيدة عن كل مظاهر الجدية والحرفية والمهنية. وحتى نقترب كثيراً من حجم المأساة العربية الناجمة عن ذلك الغياب لهذه العادة الغربية الملهمة وهي ظاهرة كشف الحساب، أطرح هذه الأسئلة التي تبحث عن إجابة: هل نُمارس نحن كأفراد عملية "جرد حساب" سنوي تكشف لنا عن طبيعة منحنى الحياة التي عشناها خلال عام كامل بكل تفاصيله المختلفة؟ هل تقوم إداراتنا وهيئاتنا ووزاراتنا بالإعلان عن كشف حساب لكل ما تحقق وما لم يتحقق خلال العام الفائت ليعرف المواطن فضلاً عن صاحب القرار مدى نجاح أو فشل تلك الجهات؟ هل هناك وسيلة أو جهة ثقافية تهتم بنشر أهم وأبرز الإصدارات والنتاجات الثقافية والفكرية في وسطنا الثقافي خلال العام الذي مضى؟ لماذا لا توجد مؤسسات إعلامية تقوم بعملية رصد لكل ما قدمت الوسائل والوسائط الإعلامية المختلفة لمعرفة الاتجاهات والتحولات في هذا المجال المهم؟ ما هي الإنجازات الرياضية التي حققتها فرق ومنتخبات الوطن في مختلف الألعاب والمسابقات العربية والقارية والعالمية؟ ما هي أبرز النجاحات التي حققها سفراء الوطن في دول الابتعاث؟ لماذا لا توجد لائحة أو قائمة لأفضل شخصيات ورموز وطنية في مختلف المجالات. الأسئلة كثيرة وكبيرة جداً، لكنها لا تجد صدى/إجابة يستحقها هذا الوطن العزيز. عزيزي القارئ: لماذا لا تبدأ بالتدرب على هذه العادة الضرورية وهي ظاهرة كشف الحساب السنوي، وتُشاركني الإجابة عن هذا السؤال الذي سيكون عنوان المقال القادم: ما هي أهم سبعة أحداث وطنية خلال عام ؟