منذ صدع الرسول محمد، صلى الله عليه وسلم، بدعوة الإسلام قبل نحو خمسة عشر قرناً من الزمان لم تنقطع الشبهات والمزاعم المغرضة ضد الإسلام ورسوله. خصوم الإسلام لم يتوقفوا يوماً عن إثارة الشبهات المغرضة والمزاعم الكاذبة ضد ديننا الحنيف للتشكيك فيه، وتشويه صورته، وصرف الناس عنه. افتراءات هؤلاء الخصوم تكشف عن جهل شديد بتعاليم الإسلام السامية، وقيمه الفاضلة، وغاياته النبيلة. كما تكشف عن حقد دفين يستهدف الإساءة للدين وأهله، الأمر الذي يستوجب مواجهة تلك الشبهات والمزاعم، وكشف زيفها. من تلك الشبهات والمزاعم الادعاء بأن تعاليم الإسلام لا تتضمن أسساً عملية وقواعد ومبادئ قانونية قابلة للتوافق حولها للتطبيق في حياة الناس، لضمان تحقيق التعايش السلمي بين المسلمين وغيرهم. فما حقائق الإسلام التي تدحض تلك الشبهة، وتسقط ذلك الزعم، وتكشف مغالطات خصوم الإسلام وافتراءاتهم؟. يقول الدكتور عبد الله بن عبد العزيز المصلح الأمين العام للهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة: السلم هو الأصل في العلاقات بين الناس، وهو في ظل الإسلام موجود بين المسلمين مع بعضهم بعضاً، وكذلك بين المسلمين وغيرهم، قال صلى الله عليه وسلم: كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه.. (رواه أبو داود). وقال صلى الله عليه وسلم أيضاً:ألا من ظلم معاهداً أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفسه، فأنا حجيجه يوم القيامة. ويشدد على أن الإسلام أرسى أسساً ومبادئ وقواعد مهمة لتحقيق التعايش السلمي.. منها: } كرامة الإنسان واحترامه كإنسان بغض النظر عن دينه ولونه وجنسه. } العدل: فالإسلام يقيم الحياة بين الناس على أسس العدل، ليأخذ كل مستحق حقه ومستحقه من رزق، بعيداً عن لونه أو جنسه أو أرضه، أو غيرها من تلك الاعتبارات القاصرة، بل حتى من دون النظر إلى دينه. } الأمن: فلا بد أن يأمن كل مسالم على نفسه وأسرته وعرضه وماله. الوفاء بالعهود } الوفاء بالعهود والمواثيق: فالوفاء بالعهود من أسباب الأمن حتى في حالة الحرب، ولذا قال تعالى:وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ (سورة الأنفال:) 58 } توفير العيش الكريم لكل إنسان: ولذلك أوجب الله حقوقاً في المال كالزكاة، وحرم الربا والميسر والاحتكار، وحث على الإنفاق من دون تحديد. } التعاون التجاري والمعرفي بين الناس: فمن التعاون والتعايش التبادل التجاري، وقد نظمه الإسلام بين الناس مسلمين وغير مسلمين، بما لا يعود على المسلمين بالضرر، أما ما عدا ذلك فكله مشروع بل مطلوب لأن في كل كبد رطبة أجرا. ولذا بذل المسلمون ما لديهم للآخرين من تجارب ومعارف علمية هي التي أسهمت في نقل الحضارة العلمية من الأندلس وصقلية والشام وبغداد وغيرها من حواضر المسلمين إلى أوروبا والصين وغيرهما من دون احتكار أو منع كما تفعل الحضارة الغربية اليوم. } نشر الدين الحق: وذلك من أجل إخراج الناس من عبادة الهوى إلى عبادة خالق السماوات والأرض المستحق للعبادة وحده. } البعد عن الخيلاء والتكبر على الناس: وفى ذلك يقول القرآن الكريم:وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً (سورة الإسراء)، 37:كما يقول عز وجل:وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ(سورة لقمان) 18: ويقول عز وجل أيضاً:يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ(سورة الحجرات:) 11 } حماية الضعفاء في الأرض: قال تعالى:وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا(سورة النساء: )75 } إن الله جعل في الأرض أقوات البشرية كلها وإن كل من بذل الأسباب وجد نتائجها، وإن اتباع أوامر الله تعالى له أثره الفاعل في جوانب حياة الأمة المختلفة من اقتصاد وسياسة، قال تعالى:وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ (سورة الأعراف:) 96. مقاومة الظلم والفساد } الموقف الموحد من مقاومة الظلم ونشر الفساد في الأرض: ومن ذلك التسلح، والحروب والمجاعات، والأمراض، والاستبداد، واحتلال أراضي الآخرين ، ونهب الثروات، والتدخل في الشؤون الخاصة من سياسة وتربية وغيرهما. } حماية غير المسلمين في المجتمع المسلم من أي عدوان خارجي، وتوفير الحماية الداخلية لهم، وبلغت العناية بها أن سميت شرعاًذمة الله وسمي أصحابها أصحاب الذمة، وهي كلمة مدح. } إعطاء غير المسلمين الحريات العامة في تدينهم ومطاعمهم ومشاربهم: وقد جاء في معاهدة الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، مع أهل القدس النصارى: هذا ما أعطى عبد الله أمير المؤمنين أهل إيلياء من الأمان، أعطاهم أماناً لأنفسهم وأموالهم وكنائسهم وصلبانهم، أنه لا تسكن كنائسهم ولا تهدم ولا ينتقص منها، ولا من خيرها، ولا من صلبهم، ولا من شيء من أموالهم ولا يكرهون على دينهم، ولا يضار أحد منهم ولا يسكن بإيلياء (القدس) معهم أحد من اليهود وعلى أهل إيلياء أن يعطوا الجزية كما يعطي أهل المدائن، وعليهم أن يخرجوا منها الروم واللصوص، فمن خرج منهم فهو آمن على نفسه وماله حتى يبلغوا مأمنهم، ومن أقام منهم فهو آمن، وعليه مثل ما على أهل إيلياء من الجزية.