سيقترن العام 2015 باسم «الهبة الشعبية» التي اندلعت مطلع تشرين الأول (أكتوبر) إثر تراكمات كبيرة وثقيلة أوصلت الفلسطينيين إلى درجة الانفجار. ففي هذا العام، دفن الفلسطينيون آخر أوهام الحل السياسي عندما أعادت إسرائيل انتخاب حكومة يمين جديدة بقيادة بنيامين نتانياهو الذي طالما تفاخر بأنه عمل كل ما هو ممكن لدفن اتفاق أوسلو. وفيه أيضاً، شهدت الاعتداءات الإسرائيلية تحولاً جديداً أشعر كل فلسطيني أنه معرض إلى تهديد وجودي، إذ جرى حرق عائلة الدوابشة الفلسطينية في بيتها في قرية دوما، فقضى ثلاثة من أفرادها وهم نائمون، فيما بقي الرابع، وهو طفل في الرابعة من عمره، يعالج من حروق طاولت 60 في المئة من جسده. وفيه أيضاً تحرك المتطرفون اليهود، برعاية وزراء في الحكومة، خطوة كبيرة نحو الاستيلاء على المسجد الأقصى المبارك حيث أخذوا يقتحمونه بصورة شبه يومية، معلنين عن مشروع كان يمارس في الخفاء، وهو إعادة بناء «الهيكل» في ساحات المسجد. القدس أولاً ثم الخليل واحتلت مدينتا القدس والخليل قلب الهبة الشعبية، وهو ما يعكس، على نحو كبير، حالة التهديد الوجودي التي يعيشها سكان المدينتين من المشروع الاستيطاني الذي يعمل على إفراغهما من سكانهما وإحلال المستوطنين محلهم. وتفجرت الهبة الشعبية في القدس، أولاً، وعكست في عنفها حجم الضغط والقمع الكبير الذي تعرض إليه سكان المدينة الأكبر في فلسطين، والبالغ عدد سكانها 300 ألف، منذ احتلالها عام 1967. وعملت السلطات الإسرائيلية خلال العقود الخمسة الماضية على تحويل مدينة القدس إلى مجموعة من المعازل السكانية المحاصرة وغير القابلة للتوسع، والتي تفتقر إلى الخدمات العامة من مدارس وطرق وغيرها. وفي مقابل هذه الأحياء الفلسطينية المهمشة والمهشمة، أقامت إسرائيل في القدس مستوطنات حديثة تتمتع بكل أشكال الخدمات من مساحات خضراء واسعة، ومراكز شبابية، ومدارس، وملاعب ومناطق مخصصة للتوسع المستقبلي. وفي الخليل، زرعت إسرائيل 850 مستوطناً في قلب البلدة القديمة، ليحولوا حياة سكانها إلى جحيم. وأغلق الجيش الإسرائيلي الشارع الرئيس الواقع في قلب المدينة أمام الفلسطينيين وخصصه للمستوطنين، حارماً 1500 تاجر من مصدر رزقهم المتمثل في محالهم التجارية التي كانت مزدهرة في هذا الشارع الحيوي الذي يقسم المدينة إلى قسمين. كما استولى المستوطنون على 57 في المئة من مساحة الحرم الإبراهيمي، وعلى العديد من البيوت والبنايات في البلدة القديمة. ويتعرض سكان الخليل إلى اعتداءات يومية من المستوطنين الذين يحاولون إفراغ البلدة القديمة من سكانها والاستيلاء عليها، وبات كل مواطن في البلدة القديمة التي يعيش فيها عشرة آلاف فلسطيني يشعر بأن وجوده مهدد وأن دوره آت. ومع تواصل الهبة الشعبية وتعمقها، أخذ البعض يطلق عليها اسم «الانتفاضة الثالثة» أو «انتفاضة السكاكين». وأحدثت الهبة الشعبية تحولات في قواعد العلاقة الفلسطينية - الإسرائيلية التي سادت خلال السنوات العشر الأخيرة، عقب «انتفاضة الأقصى» التي انتهت عام 2005 بوفاة الرئيس السابق ياسر عرفات، وانتخاب الرئيس محمود عباس. فللمرة الأولى، منذ قدوم الرئيس عباس للحكم، سمحت السلطة للمسيرات الشعبية بالوصول إلى نقاط التماس مع قوات الاحتلال الإسرائيلي على مداخل المدن الرئيسة، والاشتباك معها في مواجهات واسعة. عام 2016 ويتوقع المراقبون أن تستمر الهبة الشعبية عام 2016 وربما في فترة ما بعده، مدفوعة برغبة الجيل الجديد من الفلسطينيين في الرد والاحتجاج على ممارسات الاحتلال، خصوصاً الاستيطان والتهويد والتمييز العنصري واستهداف المقدسات. ويتوقع بعض المراقبين أن تنشأ اتجاهات سياسية جديدة بين الأجيال الشابة، بعيدة نسبياً عن الفصائل التقليدية، بعد أن وصلت مشاريع تلك الفصائل إلى طريق يراها الكثير من أبناء هذا الجيل بأنها «مسدودة». ويقول مسؤولون في السلطة إنهم عازمون على إعادة النظر في الاتفاقات الموقعة مع إسرائيل والتوقف عن تطبيق أجزاء منها، خصوصاً في الشقين الأمني والاقتصادي. ويؤكد مساعدو الرئيس عباس أنه عازم على وقف التنسيق الأمني مع إسرائيل عام 2016، وعلى وقف تطبيق بنود في الاتفاق الاقتصادي لا تتناسب مع المصالح الفلسطينية. وتعد السلطة أيضاً لتغيير الوثائق الداخلية واستبدال اسم السلطة الفلسطينية باسم «دولة فلسطين»، خصوصاً على جوازات السفر وبطاقات الهوية وشهادات الميلاد وغيرها. وبموازاة ذلك، تعد القيادة السياسية لتقديم سلسلة مشاريع قرارات إلى مجلس الأمن عام 2016، ومن أهمها مشروع قرار يطالب بإنهاء الاحتلال، وآخر يطالب بتوفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني، وثالث يطالب إسرائيل بوقف فوري للاستيطان في أراضي دولة فلسطين وغيرها. ويقول مسؤولون في السلطة إنها ستواصل، في السنة الجديدة، مطالبة برلمانات وحكومات دول العالم المختلفة، خصوصاً أميركا، بالاعتراف بدولة فلسطين على حدود عام 1967. وأخفقت محاولات غربية عديدة لاحتواء الهبة الشعبية عبر إعادة إحياء العملية السياسية، آخرها محاولة أجراها وزير الخارجية الأميركي جون كيري. ويقول سياسيون ومراقبون، بينهم معاونون للرئيس عباس، إن تاريخ الأول من تشرين الثاني (أكتوبر) عام 2015 سيكون تاريخاً فاصلاً بين مرحلتين، مرحلة العملية السياسية القديمة التي فشلت تماماً في تحقيق أهداف الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال، ومرحلة جديدة من المبكر التكهن بطبيعتها.