كيف يرى المثقفون العرب إطلالة الثقافة العربية علينا في العام الميلاديّ الجديد؟ لا تسألوا عن سبب الفصل بين الثقافة والمثقفين، لأن الجواب محرج مزعج، من الضروري البحث فيه عن مخرج. القضية شبيهة باستحالة تصوّر الرقص منفصلاً عن الراقص. ولو كان المثقفون والثقافة وحدة واحدة، ما كانت هذه الحال سائدة، في أوضاع مائلة مائدة. لكن، لننطلق وفي اليد مصباح الأمل. ما يجمع المكوّنات العربية على اسم واحد، هو ثقافة مشتركة اكتنزتها الأجيال عبر القرون، ولكنها صارت على شكل كرات غير متلاحمة، لهذا استطاعت قوى ماهرة في الألعاب أن تذروها بكرة بولينغ جبّارة مكّارة. بداهةً ونزاهةً، العيب في الذين أخذوا الثقافة على محمل بهرجيّ زركشيّ زخرفيّ. تلك الكرات غير المتلاحمة، غير المتلائمة، باتت أحياناً متلاطمة متلاكمة، لأن لُحمة عناصر الثقافة هي قوة الجاذبية في الهويّة. هي تلك الجاذبية التي توحّد مكوّنات الذرّة، هي قوّة الأواصر بين الكواكب في منظومة شمسية، والنجوم في مجرّة، والمجرات في الكون. هي تلك الروح التي تبعث الحياة في حروف الكلمة، وتجعل المفردات تتفاعل فينبثق المعنى في الجملة، وتتآلف الجُمل فتنشأ الفقرة، تدب الروح في الفقرات، فإذا الفصل قائم، وإذا الفصول أسراب في باب، وإذا الأبواب كتاب مارد يتحدى السنين والعقود والقرون. هكذا تنشأ الثقافات والحضارات. وحين تفقد اللحمة البنيوية، تسير في الاتجاه المعاكس حين تقرع أجراس الانحدار والانهيار. إذا قامت عزائم المثقفين، هبّت روح الثقافة. عندئذ تنبثق الفكرة التي تلعب دور الصاعق. تصبح قوّة الجاذبيّة فوق السلوك الفرديّ في العناصر والمكوّنات. ومصيبة الأنظمة الفردية هي عجزها عن إدراك أهمّية الهويّة في المنظومة، وأهمية الثقافة في الهويّة. ومتى فقدت الثقافة مناعتها المكتسبة من الهويّة، انهارت المنظومة. لا أحد يدّعي القدرة على توجيه نصائح إلى المثقفين، فهم أهل إبداع الأفكار، غير أنه لا حرج على من يعمل الخير ويرميه في بئر. الثقافة التي يحتاج إليها العالم العربيّ في العام الجديد وبعده، تتجاوز بأبعاد وآماد نطاق الأجناس الأدبية في المطلق، مع الحاجة الماسّة إليها، لأنها نبراس الطموح العام. ولكن، إلى جانبها فليعمل المثقفون كخبراء استراتيجيين وكعلماء يعكفون على الاكتشاف والابتكار والاختراع، في سبيل خلق الطاقة التي تنبثق منها روح جديدة للشعوب. لزوم ما يلزم: النتيجة السحرية: الروح موجودة، لكنها بعيدة غائبة، وعلى المثقفين استحضارها. ببساطة: جمرات هويّة ورشة بخور ثقافية. abuzzabaed@gmail.com