مع نهاية هذا العام الذي بات يودعنا، وفي لمحة معنوية طريفة ومميزة نعيشها في بلادنا، تتمثّل في أننا نتعاطى ونتفاعل إيجابياً مع تقويمين تاريخيين مهمين في حياتنا المعاصرة، واحد يؤرِّخ للهجرة النبوية الشريفة، وآخر لميلاد المسيح عليهما الصلاة والسلام.. فقد ودعنا قبل شهرين ونيف العام الهجري المنصرم 1436، وها نحن نودع العام الميلادي 2015 .. فمع هذه التلويحة الإنسانية فإنه لا بد لنا إلا أن نأخذ المفيد من هذين التقويمين، ونطلع على الفروق بينهما خدمة لحياتنا، وأعمالنا، وعلاقاتنا بمن حولنا. فكثيراً ما نُسَيِّر أمورنا في هذين التقويمين اللذين نؤرّخ فيهما لمواعيدنا ومعاملاتنا، ومناسباتنا، لنستدعيهما معاً، ونجعل كل واحد منهما يؤكّد الآخر ويفسّره، بل يقرب المسافة والوقت في مشاريعنا، وسفرنا بين بلادنا والدول الأخرى، مما يعزِّز معرفتنا واحتياجاتنا من البلاد الأخرى التي تعتمد على التاريخ الميلادي في معاملاتها وطرقها. أما قصتنا مع تاريخنا الهجري فإنها أصيلة وقديمة، وضاربة في الجذور، فلن نتخلَّى عنه كتقويم ومنهج وسلوك ديني واجتماعي، فهو ما يميّزنا بحق عن الكثير من الدول في الغرب والعرب، بل إن هناك من يستشعر بهاء صورة الهجرة النبوية الشريفة، وتخليد ذكراها بهذا الشعور الإنساني النبيل، إلا أننا وبحمد الله كسبنا الرهان حينما جعلناها سلوكاً متأصلاً وحاضراً في كل مناحي الحياة. الجميل في هذين التقويمين - الهجري والميلادي - أننا نتفاءل بمقدم العام الجديد، ونودع العام المنصرم ونحن نواري إخفاقات كثيرة، لندسها في تفاصيل أمنياتنا - وما أكثرها - فعسى أن تتحقق في قابل أيامنا؛ سواء في مطلع العام الهجري، أو العام الميلادي، وأن نُعَوِّلَ في مطلع كل عام على أمل واعد بأن نحقق ما لم نتحصّل عليه من خلال ما سلف من أيام عامنا المنصرم. ربما نحن العرب أشد الشعوب عاطفة وتعلّق بالتاريخ والماضي، والعمل على عَدِّ مآثر من سبقنا، وتمجيد ماضينا البعيد والقريب، وتتبع تفاصيل ما سبق من جميل ومشرق في حياة من قبلنا؛ حتى بتنا علامة مميزة في الإمساك بالتاريخ والتشبث بالماضي؛ فحينما يوشك العام الهجري على الرحيل نودعه، ونرحب بالقادم الجديد، لنفعل ذات الأمر مع التاريخ الميلادي، وكأننا نتأمل في هذا القادم أن يكون أكثر سعادة وأقل شقاء على بعض الأمم والشعوب التي تعاني. وما يؤكّد رؤية أننا عاطفيون أننا لا نزال نلهو بقشور الحضارة الحديثة والمعاصرة لمجرد اللهو، لكن سرعان ما نعود إلى ماضينا وتفاصيل أيامنا في المظهر والمأكل، فنحن ما زلنا نحافظ على عادتنا، وطقوس أيامنا، وأسلوب المعيشة لدينا، وتعلقنا بكل ما هو قديم، والجري بمسافة واحدة خلف الحاضر والماضي؛ أي أن ترانا نُقْبِلُ على كل ما هو جديد وعصري؛ لكن سرعان ما نعود إلى ماضينا ونَحِنُّ إليه، ونتفاعل معه بحميمية وود، لنعيش تفاصيل الماضي ونقربه ونسعد فيه، ونجد ذواتنا من خلاله. فقد لا نجد حرجاً مع الوعي، والبحث عن الفائدة أن نتفاعل مع هذين التقويمين الهجري والميلادي من حيث إنهما مرتبطان في تطلعنا للحياة، وتطور علاقاتنا مع الأمم والشعوب المعاصرة بما يكفل للجميع حقوقهم، ولنحقق من خلال هذا التجاور والتلازم معادلة الوعي والفائدة.