تشير تقارير إلى أن الانخفاض المــــتواصل لأسعار الـنفط العالمـــية تحيّر الأميركيين وتـــقــــلقهم، خصوصاً بعدما تدنّت الأسبوع الماضـــي إلى ما دون مستواها خلال أزمة المال 2008 و2009 لتصل إلى 36 دولاراً للبرميل. وتوقعت شركات الدراسات وتقويم الأخطار أن يلامس سعر البرميل 20 دولاراً، وألا يرتفع إلى 50 و60 دولاراً قبل حلول العقد المقبل. وتقليداً، يسعد انخفاض أسعار النفط عالمياً الأميركيين منذ تحوّل الولايات المتحدة من مصدّر إلى مستورد له مع ستينات القرن الماضي. ويعتقد الأميركيون أن تراجع أسعار النفط يعطي بلادهم أفضلية في صناعاتها، ويجعلها أكثر تنافسية في الخارج. كما تظهر بيانات مجموعة «أي أي أي» المتخصصة بشؤون المواصلات، أن انخفاض أسعار النفط قلّص فاتورة استهلاك السائقين الأميركيين بواقع 150 بليون دولار خلال العام الحالي، أي أن تدني السعر وفّر على كل مواطن أميركي 450 دولاراً. ويُعدّ ضخ السيولة في يد المواطنين إحدى استراتيجيات الحكومة الفيديرالية والكونغرس أثناء الأزمات الاقتصادية، وعلى سبيل المثال وافق الكونغرس عام 2009 على اقتطاعات على ضريبة الدخل بلغت 145 بليون دولار، من ضمن خطة حوافز اقتصادية عـــبر زيادة السيولة في يـــد المـــستـــهلكـــين، فحصل كل مواطن على شيك بقيمة 500 دولار من دائرة الضرائب. وأظهرت بيانات وزارة التجارة، تقلّص استيراد الطاقة إلى أدنى مستوياته منذ العام 2003، بسبب ارتفاع الإنتاج الأميركي المحلي للطاقة وتراجع تكاليف استيرادها من الخارج. كما يشير العجز التجاري الأميركي إلى الارتفاع مجدداً نتيجة العجز التجاري مع دول لا تستورد منها أميركا نفطاً، مثل الصين والاتحاد الأوروبي واليابان، فيما حقق أرباحاً مع دول «أوبك». وعلى رغم إيجابية انخفاض الأسعار، لا يبدو مسؤولو الحكومة الأميركية والخبراء مطمئنين، لأن أحد الأسباب الرئيسة لذلك هو تراجع الطلب في الصين، إذ بات شبه أكيد أن المعجزة الصينية بلغت حدها. لا شك في أن صعود الصين الأسطوري على مدى العقدين الماضيين أخاف أميركا، من إمكان اقتناص الصينيين موقع أكبر اقتصاد، وتالياً القوة العظمى الأكبر في العالم. إلا أن الانكماش الذي يجبر بكين على خفض قيمة عملتها، هي خطوة تبث القلق لدى الأميركيين من تراجع أكبر شريك تجاري لهم في العالم، وتأثير ذلك على مستقبل الصادرات الأميركية إليه، وإمكان كسادها، وانعكاس ذلك على اقتصاد أميركا عموماً. وما يقلق الأميركيين أيضاً، أن كل التطمينات حول الاقتصاد الصيني الشريك لا تبدو صحيحة، لأن القول إن سبب تباطؤ النمو الصيني هو تدرج الاقتصاد من التصدير الى الاستهلاك هو شعار لا تدعمه الأدلة، إذ لو كانت بكين تسعى للانتقال الى الاستهلاك، لما خفّضت سعر عملتها، ما يعوّق استيرادها واستهلاكها وتعزيز صادراتها. وتقليص الصين قيمة اليوان أرسل إشارة للأميركيين تفيد بأن بكين حتى لو نجحت في وقف تراجع اقتصادها، فهي ستفعل على حساب شركائها التجاريين مثل أميركا لا بالتعاون معهم وزيادة استيرادها منهم. ومنذ خفض الصين قيمة عملتها في آب (أغسطس) الماضي، سجل العجز التجاري الأميركي معها قفزة بواقع ٣ بلايين دولار شهرياً، إذ تظهر بيانات الحكومة أن أميركا استوردت بـ41 بليون دولار في تموز (يوليو) قبل خفض الصين سعر عملتها، لتقفز وارداتها منها بعد الخفض إلى 44 بليون دولار في آب و45.7 بليون في أيلول (سبتمبر)، قــبل أن تــــتراجع قليلاً إلى 44.4 بليون دولار في تشرين الأول (أكتوبر)، ليسجل بذلك العجز التجاري ارتفاعاً من 31.5 بليون دولار في تموز، إلى 35 بليوناً في آب و36 بليوناً في أيلول، قبل أن ينخفض إلى 33 بليون دولار في تشرين الأول. وواضح أن زيادة العجز التجاري الأميركي الذي يأتي عادة مع ارتفاع سعر النفط عالمياً، جاء في الربعين الأخيرين من السنة، في وقت وصلت أسعار النفط الى أدنى مستوياتها منذ العام ٢٠٠٨، ما يعني أن خفض الصين عملتها هو السبب الرئيس وراء ميل الميزان التجاري لمصلحتها وضد مصلحة الأميركيين. وفي حسابات الاقتصاد، يقتطع العجز التجاري من نسبة النمو التي يرفعها الفائض، أي في الحالة الأميركية يتأثر نمو الاقتصاد سلباً بسبب سياسات الصين وارتفاع العجز التجاري الأميركي معها. أما الخوف الأميركي الأخير، فهو يرتبط برفع الاحتياط الفيديرالي سعر الفائدة. وعزا مسؤولو المصرف المركزي خطوتهم هذه إلى «عدم إمكان إبقاء الفائدة قريبة من الصفر إلى الأبد، وهم يحتاجون الى رفعها لتعزيز الثقة بالاقتصاد الأميركي، ولاستعادة واحدة من الأدوات التي يستخدمونها لمكافحة أي ركود جديد يمكن أن يصيب الاقتصاد مستقبلاً. وكان استطلاع لآراء اقتصاديين أعدّته وكالة «بلومبرغ» قبل أسبوعين أظهر أن ثلثي المستطلعين يعتقدون أن ركوداً سيصيب الاقتصاد الأميركي العام المقبل، والركود بالنسبة إلى الحكومة الأميركية هو أن يشهد الاقتصاد ضموراً على مدى ربعين متتاليين. ومن شأن رفع الفائدة أن يزيد قيمة الدولار ويساهم في تقليص الصادرات الأميركية، وهي خطوة معاكسة لما قامت به بكين في آب الماضي. إذاً على رغم ضخ 150 بليون دولار في يد المستهلكين الأميركيين، ومساهمة انخفاض أسعار النفط في تقليص العجز التجاري الذي من شأنه تعزيز فرص نمو الناتج المحلي، إلا أن دافع انخفاض أسعار النفط ذاته أي تباطؤ اقتصاد الصين، دفع الصينيين إلى تبني سياسات قللت من فوائد انخفاض سعر الطاقة بالنسبة إلى الأميركيين وهو ما يجعلهم في حيرة. فأيهما أحسن: انخفاض سعر الطاقة عالمياً مع تراجع الاقتصاد الصيني، أم عودة الصين الى النمو الكبير على رغم دفع النمو الصيني أسعار الطاقة إلى الأعلى؟