لندن: ثائر عباس واصل رئيس الوزراء التركي رجب طيب إردوغان الضغط على مناوئيه في الشرطة والقضاء بإقالة المزيد من قادة الشرطة، فيما استمرت النيابة العامة في الضغط عليه من خلال الادعاء رسميا على مقربين منه بتهم تتعلق بالفساد وتلقي رشاوى في مناقصات رسمية. وبالتوازي مع استمرار هبوط البورصة التركية وانخفاض العملة الوطنية إلى رقم قياسي هو الأسوأ لها على الإطلاق منذ إطلاق الليرة التركية الجديدة، تواصلت الضغوط على إردوغان الذي يواجه واحدة من أكبر أزماته منذ وصوله إلى السلطة، عبر تسريبات يعتقد أن وراءها أنصار الداعية الإسلامي المقيم في الولايات المتحدة فتح الله غولن، المعروف بنفوذه في أوساط الشرطة والقضاء، بالإضافة إلى دخول أحزاب المعارضة التركية على الخط ودعوة رئيس أكبر هذه الأحزاب، حزب الشعب الجمهوري، كمال كليتشدار أوغلو، إردوغان إلى الاستقالة. وفي سياق إقالة حاكم شرطة إسطنبول حسين جابكين الخميس، واصلت الحكومة حملة تطهير واسعة في صفوف الشرطة، فأقالت 14 ضابطا هذه المرة من المديرية العامة في شرطة أنقرة. وفي المجموع أقيل نحو خمسين ضابطا ومديرا في إطار هذه الحملة التي بدأت الثلاثاء. وقد أبرزت الصحف كيف أن قائد شرطة اسطنبول الجديد سلامي ألتينوك توجه إلى اسطنبول لتولي مهامه على متن الطائرة نفسها التي أقلت إردوغان للغمز من قناة رئيس الحكومة. ووجه القضاء التركي رسميا أمس أول الاتهامات رسميا في إطار حملة واسعة لمكافحة الفساد. وبعد ثلاثة أيام من توقيفهم على ذمة التحقيق، أمرت نيابة إسطنبول بسجن ثمانية أشخاص من بين عشرات أوقفتهم فجر الثلاثاء في اسطنبول وأنقرة المديرية المالية في الشرطة. واستمر مثول الموقوفين على ذمة التحقيق في مكاتب نيابة إسطنبول، وبينهم أبناء ثلاثة وزراء هم وزراء الاقتصاد والداخلية والبيئة، ورئيس مصرف «هالك بنكزي» سليمان أصلان، ورئيس بلدية فاتح في إسطنبول مصطفى دمير العضو في الحزب الحاكم. وبثت قنوات التلفزيون صور رزمات سميكة من الأوراق النقدية التي ضبطت في منزل ابن وزير الداخلية معمر غولر. ولم يفرط رئيس أكبر حزب معارض، حزب الشعب الجمهوري كمال كليتشدار أوغلو، في هذه الفرصة ليطالب مجددا باستقالة إردوغان. وقال كليتشدار أوغلو إن «تركيا بحاجة إلى طبقة سياسية ومجتمع نظيفين». وكان نائب رئيس الوزراء والناطق باسم الحكومة حسين تشيليك نفى شائعات كثيرة حول استقالة الوزراء الثلاثة الذين أوقف أبناؤهم. وقال تشيليك لقناة «خبر ترك»: «إننا لا نلعب اليانصيب. إن رئيس الوزراء هو من يقرر»، لكن «إذا قال وزير أريد حقا الاستقالة للتخفيف عن رئيس الوزراء فهذا شأنه». وترى الكاتبة والصحافية نازلي إيلاجيك أن «العملية مهمة جدا، لأنها أكبر عملية لمكافحة الفساد في تركيا، خصوصا أنه يوجد بين المتهمين بالفساد ثلاثة من أبناء الوزراء، إلى جانب الكلام عن تورط لوزير في هذه العملية التي تعتبر مهمة جدا بالنسبة لتركيا». وتقول إيلاجيك لـ«الشرق الأوسط» إن المعلومات والوثائق الصور التي وزعت على الإعلام من قبل الأمن تفيد بأنه توجد أدلة قاطعة تثبت هذا الفساد. الجميع من السياسيين والإعلاميين والاقتصاديين والشارع التركي بكل فئاته ينتظرون نتيجة تحقيقات النيابة». وشكت إيلاجيك من أن صحيفة «صباح» قامت بإقالتها بسبب رأيها السياسي. وقالت «البعض يحاول إظهار أنني قدمت استقالتي من جريدة (صباح)، وهذا غير صحيح، بالفعل اتصل بي المسؤولون من إدارة المؤسسة وقالوا لي إن علاقتي بالجريدة قد انتهت لأنهم لن يستطيعوا التعامل معي. والسبب بسيط، وهو أن مواقفي وتصريحاتي تختلف عن مواقف أصحاب ونهج الجريدة، لأن تركيا انقسمت بالفعل نتيجة سياسة الحكومة إلى معسكرين، والمعسكر الموالي لا يتحمل حتى موقف أو فكر الطرف الآخر». وانتقدت إيلاجيك عمليات العزل وتغيير وظائف مديري الأمن ومديري الفروع، واعتبرتها تصرفات غير قانونية من قبل وزارة الداخلية لأنها تركت انطباعا مباشرا بأنها تدخل من قبل الحكومة للانتقام ممن شاركوا في تعقب ومتابعة المشتبه بهم، وهذه خطوة غير حميدة من الحكومة، كما أن محاولة إضافة اثنين من النيابة للإسراع بعملية التحقيق هي أيضا خطوة غير ناجحة لأن عمليات المتابعة والتحقيق وإعداد الادعاءات انتهت قبل أن تبدأ عمليات الاعتقال». وقالت «الجميع الآن يفكر مثلي في أن إضافة مدعي نيابة فقط هي خطوة من الحكومة لإغلاق بعض الملفات ولن تنجح في هذا، لأنه بالنتيجة فإن الحاكم هو الذي سيقرر مصير المشتبه بهم». ودعت إيلاجيك إردوغان إلى «الطلب من الوزراء الاستقالة مباشرة، لأن فضيحة الفساد لم تطله ولا تتعلق به»، مستغربة «وضعه نفسه في خانة المدافع عنهم». وقالت «الجميع كان ينتظر من إردوغان أن يستمر التحقيق وأن يأخذ القضاء مجراه من دون تدخل من قبل الحكومة، لكن إردوغان قام بالعكس وأقال ونحى عددا كبيرا جدا من مديري الشرطة». وفي بروكسل، شدد بيتر ستانوا، الناطق باسم المفوض الأوروبي للتوسيع ستيفان فولي، على ضرورة «استقلال وحياد» القضاء التركي، بينما حرص السفير الأميركي في أنقرة فرانسيس ريتشاردوني على أن «الشفافية أساسية في النظام الديمقراطي». واستمر أمس الاضطراب الاقتصادي المتزامن مع الاضطراب السياسي، فانخفضت الليرة التركية إلى مستوى تاريخي مقابل الدولار واليورو بعد وقف السياسة النقدية التيسيرية للاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) التي كانت تدعم الاقتصاد التركي، وفضيحة الفساد التي هزت الحكومة التركية. وجرى تداول العملة الوطنية التركية منتصف يوم أمس بنسبة 2.094 للدولار الواحد، بعد أن كانت 2.071 أول من أمس و2.86 لليورو الواحد، بعد أن كان 2.87. وبعد أن فتحت على انخفاض (0.56 في المائة) في المؤشر الرئيس لبورصة اسطنبول بدأت الليرة التركية في التعافي قليلا في منتصف النهار (0.15 في المائة). وحفاظا على الليرة التركية، قرر البنك المركزي التركي ضخ سوق العملات بالمال من خلال المزادات بسبب «تقلب الأسواق»، حسبما أفاد بيان للبنك. وقال المحلل سرحان يانغون من شركة «فاينانس إنفيست» الاستثمارية تعليقا على هذا القرار، إن «قرار البنك المركزي سيعمل على تخفيف الحمى، لكن الاستقرار سيكون على المدى الطويل». وقال البنك المركزي إنه قد يبيع ما يصل إلى عشرة أمثال المبلغ المعلن من قبل في مزاد صرف العملات. وقال محللون إن هناك احتمالا لأن يتدخل بشكل مباشر في الأسواق الأسبوع المقبل. وقال مانك نارين، وهو خبير استراتيجي في الأسواق الصاعدة في «يو بي إس» في لندن «المشكلة أن هذا لا يحدث في وقت يتمتع فيه الاقتصاد بقدرة كافية على تحمل الاضطراب السياسي. الخوف أن تبدأ السلطات في تخفيف القيود عن السياسة المالية».