منذ أن أصدر الناقد والمترجم د. محمد عناني كتابه المصطلحات الأدبية الحديثة عام 1996 والنقاد لا يكفون عن ابتكار كل جديد وغريب من المصطلحات الأدبية، التي لم تعد مقصورة على ما درجنا على اعتباره نقداً أدبياً أو متصلاً بالنقد الأدبي بفنونه المعروفة، إذ توسعت المصادر وتنوعت الدلالات، بعد أن دخل إلى ميدان الدراسة الأدبية ما لم نكن نتوقعه، قبل ظهور النظرية الأدبية، من فروع العلوم الإنسانية الحديثة، التي كان كل منها يتمتع بملامحه شبه المستقلة، ومناهجه التي كنا نتصور أنها مقصورة عليه. في كتابه الصادر حديثاً عن الهيئة المصرية العامة للكتاب بعنوان عن تعريب المصطلح وترجمته في العلوم ودراسات أخرى يوضح د. عناني أن ارتباط علم النفس بالأدب قديم، لكن النظريات التي استحدثت في القرن العشرين أتاحت لدارسي الأدب مداخل جديدة أصبحت لها أسماؤها الخاصة ومصطلحاتها المتخصصة التي يصعب على غير الباحثين في هذه المداخل فهمها، وقد واكبنا هذا التطور في العالم العربي، فأصبح لدينا رواد أتوا بالكثير من المصطلحات العربية التي يسرت على الدارسين فَهْم تطورات العلاقة بين الأدب وعلم النفس الحديث. يقول د. عناني: تابعت التطور المذكور في المداخل النقدية لمسرحيات شكسبير، على امتداد العقود الثلاثة الأخيرة، ورصدت في مقدماتي للترجمة العربية لبعض هذه المسرحيات تطور النقد النفسي أو السيكولوجي لأدب شكسبير، من البساطة والتعميم إلى التعقيد والتخصيص، وكيف استفاد النقد النسوي، وهو فرع نقدي حديث يجمع بين عناصر من علم الاجتماع وعناصر فلسفية وإيديولوجية، من علم النفس الحديث، وإن كان كثير من النقاد يطلقون عليه اسماً غير دقيق هو، التحليل النفسي، ذلك الفرع الخاص الذي ابتكره فرويد وطوره الفرنسي جاك لاكان. يضرب د. عناني مثالاً آخر من علم اللغة، الذي تفرع وتطور لنجد فيه فروعاً ترتبط بالمجتمع وبالطب النفسي وبالفلسفة، وإذا به يؤثر مباشرة في الدراسة النقدية للأدب، بحيث نشأت لدينا مناهج لغوية تتجاوز المناهج النحوية الصرفة وعلم الدلالة، من خلال المزج العلمي بين معطيات هذه العلوم في تحليل النصوص، فنشأت لدينا مصطلحات جديدة مثل الخطاب، وأصبح الدارسون يميزون بينه وبين النص، بل إن مفهوم النص نفسه قد اختلف. يحكي د. عناني تجربته مع توالد المصطلحات وكثرتها وتنوعها، قائلاً: عندما ترجمت كتاب المفكرون الأساسيون من النظرية النقدية إلى ما بعد الماركسية، وأتبعته بكتاب مقولات النقد الثقافي تصديت لكتاب ضخم عنوانه الرفيق إلى النظرية السردية، وجدت أن المصطلحات تكاثرت إلى الحد الذي يقتضي كتابة تصدير أو تمهيد عن التعريب والترجمة، أمّا التعريب فهو كتابة الكلمة الأجنبية بلفظها بحروف عربية، وهو ما فعله أساتذة عديدون بمصطلحات كثيرة مثل: الميتافيزيقا والإيديولوجيا والأنطولوجيا بدلاً من كتابة ما وراء الطبيعة والعقائدية وعلم الوجود أما عن ترجمة المصطلحات؛ فالباحثون العرب لا يزالون مختلفين خصوصاً عندما ينزع الكاتب الأجنبي إلى توليد فعل من اسم ترجمناه إلى العربية واسترحنا لترجمته.