×
محافظة المنطقة الشرقية

بدء القبول والتسجيل بالمعهد التقني للألبان والأغذية في الخرج

صورة الخبر

عند سور الحياة بدا ضجيج "لعبة الكرة" مرتفعا يسرق الأبصار. فالأجساد تركض فيما تركت قلوبها عند الرصيف لتلتقي بمصائرها، هناك وجدتها تجلس على "مقعد الاحتياط" في يدها قلم وفي قلبها جسور عالية، تنبش الانتظار لتنمو قريبا من قلبها "شجرة القلق" بأن ينتهي الوقت ولا يأتي دورها.. من تلك اللعبة خرجت طفلة.. لتأتي إلى هنا "أميمة".. تسير معهم إلى المدرسة ولكنها منشغلة كثيرا بالأسئلة عن الأجوبة.. ألتقيها عبر المعبر إلى هناك.. أخرج من جيبي حزمة "مكشوفة" من الينابيع. أقول لها "هذه هي الأجوبة".. فتقول لي "الأسئلة أجنحة وحرية ومغامرة". أفتح لها يدي وأقول لها "إذا أتدخلين باسم قلوبهم جميعا؟!.. تضع بين يدي قطرة من فضة وتقول "قلب واحد يكفي".. الروائية المختلفة "أميمة الخميس" تدخل المكشوف.. تأتي وتحت عباءتها "جرار كنوز" ومن "نجد" وفيها يتشكل مزاجها الحبري، تقول لي "أكتب كمن وضع سلة بيدي وطلب مني أن آخذها إلى بيت "الجدة"، تنظر إلي.. تهمس "الوجع كان كبيرا، وفي الوداع قلت له "هل تطيق وداعا أيها الرجل؟" أقترب منها. أضع يدي على يديها وأسأل "أتشتاقين؟" تبتسم بعد أن تضع أصبعها على قلبي لتقول "من يشتاق سيجلبه شوقه!". قلب واحد يكفي.. المهم أن يشرع كل غرفاته للحب أميمة الخميس.. عبر المكشوف تبوح، تتألم، تعشق، تشير إلى أجنحتها ثم تقول "الحب يدخل ميادين المدن بحفلة تنكرية.. ولم أعرف حتى الآن ما الذي يرضي تلك العجوز". ذلك المكشوف مع أميمة الخميس لم يكن سجالا بل كان أفقا ينفتح على أفق وذاكرة تأتي بكل الأمطار إلى هنا. الضوء الأحمر * لم تتسع الحكاية بأفراحي.. لم أمش كثيرا وأنا ارتدي ثوب الأميرات، كبرت وفي قلبي حرائق التجربة، والحرمان. نعيش بكل ذلك القدر من التعاسة! ليس لشيء سوى لأن مصائرنا تنتظرنا دوما في بداية الرصيف... وماذا عنك؟ كيف توسعت حكاياتك الماضية بداخلك؟ أعشتها كالأميرات؟ أم أنك كنت تلك المرأة التي تنتعل أوجاعها وتمضي؟ - ألا يوجد خيار ثالث ما بين القطبين، مابين إستبرق الأميرة ونعال الفقيرة؟ فقد أكون في مكان ما خارج إطار الصورة السابقة، فعموما لم أشعر يوما ما أن صراعي وتحدياتي الوجودية كانت طبقية بقدر ما كانت (جندرية) تندرج ضمن فروقات النوع، لا أذكر متى بدأ إدراكي بالفرز المجتمعي في هذه المنطقة؟ ولكن بواكير الذاكرة تحتفظ بلون الضوء الأحمر الذي حجبني من لعب الكرة مع إخوتي الصبيان وأمام إلحاحي وتنمري، كانوا يجعلونني في خانة الاحتياط، وكأن الاحتياط هو المقعد المسكن للآلام، (مقعد الاحتياط) جلست عليه واحتضنني حزام الأمان فوقه، وهناك بدأت تنمو شجرة القلق العميق بداخلي بأن اللعبة ستبدأ وتنتهي ولن أعرف عنها، ولن اشترك بها، ولن أشارك في صياغة قوانينها، ولربما هذا ما حول مياديني لاحقا إلى حلبات سباق متصلة، ومضمار لاعب ولد مصلوبا فوق مقعد الاحتياط والهامش، فيظل يهرول يراوغ ويخاتل محاولا أن يجد ثغرات منسية داخل طوق الملعب الهائل كي يدخله كلاعب رئيس. بالطبع الرحلة لم تكن بهذه التراجيدية الفاقعة كان هناك استراحات محارب، وكان هناك اختفاء لقناعات واحتفاء ببزوغ أخرى، لم يكن حد الأيام صقيلا باترا إلى حد الجرح. فالمفارقة أن كل (جرار الكنز) التي صادفتها بحياتي كانت مخبأة لي من رجال سواء صولجان الكتابة ومكتبة أبي الباذخة، أو رجل اقتسمت وإياه تفاحة العشق ومن ثم تزوجنا، أو في أبنائي الذين منحوني أعظم جرة كنز فحينما تفتح جرة الأمومة فوهتها ستظل تتدفق ينابيعها حياة ونماء فتسقي وترطب وتضيء جميع زواياك وحقولك. فرسي الحرون تطهمت وتدجنت وأصبحت هودجا هادئا، بعد أن عرفت أنا أن الحياة تود من ينصت إليها أيضا، لا أن تمضي طوال الوقت في استقبال ثرثرتنا وشكوانا. تلك الماكرة دعتني لمعابثة العالم وسربت لأصابعي أمواساً حادة عندما نتقن توزيع المهام والأدوار وانسكاب حلقات الضوء فوق خشبة مسرحنا، ومن ثم ننغمر في الدراما الكونية بمتعة سننجو، ولن نظل نهرول في مساحة ضيقة كذبابة حبست في قارورة تطير بين الأسفل والأعلى يستغرقها دور الشهيد المظلوم وهي تظن أنها قطعت مسافات طويلة بينما في الواقع هي رهن الإقامة الجبرية داخل زجاجة الشكوى الدائمة هي إهانة لجلال وهيبة هبة الحياة وفرصها اللامتناهية. حساسية الفصول * كتبت "يحضر الخريف من الباب الخلفي للسنة وليس في جعبته كثير من الأمور المبهجة التي تجعل السنة تشرع له بوابتها الأمامية".. من أي فصل من فصول السنة أتيت؟ كيف هو الشتاء؟ أيدخل من الباب الخلفي للسنة؟ أم أنه يشرع جميع الأبواب ليدخل منها كل المفاجآت والدهشة؟ - أتعامل مع الأوقات والفصول والأنواء بحرص وحساسية مفرطة، كونها هي التي تتحكم بمسارات مزاجي ولواعجي وشجني, ومواسم الخصب الكتابية، والانطفاءات المطوقة بالسوداوية. أذكر مرة عندما كنت في كندا قالت مذيعة نشرة أحوال جوية: الليلة ونحن نيام سيتسرب فصل الخريف. وليلتها لم أنم كنت أترقب هذا الذي سيتسلل خلسة، ويمر بجانب الحدائق وأوراق الشجر ويلمس الأشياء حولنا فتغدو برتقالية نحاسية بلمسة خريفية. الروائي عبدالرحمن منيف كتب في أحد أجزاء مدن الملح حول الربيع حينما يتسلل فجأة إلى روح العالم ومنها إلى أعماقنا فيوقظ الخصب البهجة ورغبات الوصال. ومع انصاتي المستغرق المتواصل لدبيب دخول الفصول... اكتشفت أن للصحراء تقويمها الخاص، وأن الفصول الأربعة هي فرضية مررت لنا قسرا من (تقويم الآخر المنتصر) في شمال العالم، بينما للصحراء تقويم آخر أكثر صدقا وتعبيرا عن أنوائها ومواسمها. الوسمي الذي يخفق قادما فوق أجنحة (صبا نجد) وحينما يهطل على الأرض تنبت الكمأة وحينما يهطل على البحر ينبت اللؤلؤ، ومن ثم ما يلبث أن تتبعه (المربعانية) تلك العجوز العابسة الجافة التي تتطاير عباءتها بلفح الرياح السيبرية، ولا يكفيها أربعون يوما قارسا بل تسلم المهمة إلى ابنيها الشبط الأول والثاني! إلى أن يدخل نوء سعد السعود أول منازل الربيع ويرجع الماء للعود، ويستقيظ تموز من غفوته. لا أخاف من الشيخوخة إنما أخشى محتويات الصندوق تفاصيل عتيقة وتقويم ثري يعبر عن المكان ويختزل أساطيره، اكتشفت ذلك التقويم وتموسقت معه كونت هارموني مجدولا بالنجوم ومطالع الأنواء وقمرا صحراويا يحاذي الأفلاك أميرا لليالي، قمرا مزاجيا أحيانا يكتمل وأخرى يبكر بالغياب.. هذه الأجندة شعرت أنها أصدق وأنبل من أجندة الفصول الأربعة الخاضعة لتقويم المستعمر ومعرفته المركزية. تعلمت الطيران * نكتب. لأننا نخشى أن ننسى يوما ما نود أن نقوله، نكتب لأن الأشياء التي نقولها لا تشبهنا ونكتب لأن هناك كائنا بداخلنا يحتاج لأن يتحرر حتى إن أدى ذلك إلى أن يتبرج قليلا حتى يطلق ساقيه في الفضاء ويعدو. لأي شيء تكتبين؟ وماذا تأخذين معك حينما تعيشين"عزلة الكتابة" أميمة الماضية؟ أم أميمة التي هنا؟ - لا أكتب لأحل أزمة داخلية أو مأزقا نفسيا أو كوسيلة للإجابة على معميات الكون، بل أكتب كقدر ومصير، وكأن هناك من دس في يدي القلم منذ أزمان باكرة قائلا... اكتبي، كأم وضعت السلة في يدي وقالت لي: خذي السلة إلى بيت الجدة بلا كثير من وعي أو إرادة مني، فقط كمهمة عظمي أنيطت بي ولا بد أن أقوم بها كما يجب. في أحيان كثيرة حالكة، كنت أحاول استكناه سر تلك الروح المثابرة الاستشهادية المداومة على الكتابة رغم الكثير من الحصار والمنغصات، فأعطيها أحيانا طابعا أسطوريا وأقول بأنها قدر، وأحيانا أخرى أقول هو حقل عائلي استيقظت صباحا فوجدت كل العائلة تذهب إليه فرافقتهم. في البدايات كنت اشعر أنني على حافة هاوية عالية وعميقة وغامضة، وفيها براكين تفور وشهب تتخاطف وتيارات هواء عنيفة وعاصفة، وفجأة أتى من تحدى خوفي ودفعني بغتة إليها، وفي لحظة خاطفة نبت لي جناحان صغيران ومرتبكان لم يستطيعا في البداية أن يقاوما أسراب الشهب وصواعق الكلام، إلى أن اشتدا واتسعا وأخذ هذا الوادي العجيب يعلم رواده رقصة الدنو والفرار، المراوغة والتقدم من ثم التقهقر، لاكتشف في انخطافة نورانية، أن هذا هو الشيء الوحيد الذي أود فعله بوله واستغراق وأن وجداني ووعيي وحواسي قد تهندست وصممت للطيران داخل ذلك الوادي. عتب السؤال * كتب منير عوض (ولولا أنك وقفت جانبا تحدث الموت "أشم رائحتك في أكمامي!! مثل غصن تسلق مزلاجا - للتو - كسرته الريح، فوق عنق باب وقف حائرا لمنظر دمعة اندفعت للعزاء) أمازلت تشمين رائحة الشيخ "عبد الله بن خميس" في أكمامك؟ في لحظات العزاء والفقد تلك ماذا قلت له؟ وهل سمعت جوابه؟ - لا أدري لمَ كان أول سؤال وجهته له بعد أن قرر أن يرحل... هل تطيق وداعا أيها الرجل؟ عندما رحل كان وادي عبقر يغطس في الأفق، كما تغطس جزيرة عامرة في محيط الأبدية، وكما تتفتت خرافة باذخة فوق قرون من التاريخ، من سيأخذ بيد هريرة إلى خيمتها؟ ومن سيتقصى لها علامات الدرب؟ ومن سيخبرها عن منابت ريح الصبا ومنازل الكواكب؟ فكيف تطيق وداعاً أيها الرجل؟ .. لعله عتب أو لسعة لوعة، حرارة الفراق أوغرت حزني استدنتها ذكراه وهو يتلو علينا معلقة الأعشى يهدج بها صوته الرخيم بين نخيل مزرعة عمورية فتخفق بها أضلع وشعاب وادي عمورية. ومن وقتها بزغ سؤال مابرحت أردده ما بال وادي عبقر يبدو موحشاً الليلة؟ أغمدت قبائل الجن معازفها، وانسكب فوق ضلوع الوادي وشعابه جلال الأحزان المهيبة. نداهن ذئب الحزن ونخاتله، ونحاول استئناسه، بينما يتلو نخيل حنيفة مقاطع صناجة العرب: تسمع للحَلي وسواسا إذا انصرفت.... كما استعان بريحٍ عشرقٌ زجلُ الحقيقة والأسئلة * تسكن بداخلنا الأجوبة.. ونسكن نحن بداخل الأسئلة التي نبقى دائما بها مأسورين، وربما تجعل النوافذ كلها قابلة للاحتمال والممكن والمستحيل. أي الأسئلة التي تشاغبك فتثير قلقك منها؟ هل اكتشفت أجوبة لأسئلة متأخرة عرت لك حقائق لطالما لم تريها بوضوح؟ - الأسئلة هي رفيقة قديمة جدا، لا أذكر متى تحديدا قررت مرافقتها، لربما منذ لمحت بريق الشيطنة والتمرد في قاع عينيها ودعوة مواربة منها لمعابثة وقار العالم، بعدما سربت لأصابعي أمواسا حادة وقالت لي تعالي نزعج الكون ونشق ستار الواجهة التي أمامنا وتزعم بأنها الحقيقة الكاملة بينما هي ليست سوى حجاب يخفي الحقيقة أو لربما الحقائق المتعددة، والأسئلة اللعوب الماكرة هي التي أفشت لي أسرار العالم وقالت: (السؤال) هو الطريقة المهذبة التي نخبر بها الكبار عن عدم اقتناعنا بالحكاية التي يسردونها، وأن الأسئلة قد تتحول يوم ما درجا يتصعد بنا بعيدا عن رثاثة الواقع. الأسئلة أجنحة وحرية ومغامرة، داخل ثقافة اعتادت على طمأنينة الجواب الوحيد (الصح)، الذي كنا لا بد أن نقدمه لننال عليه الدرجة النهائية في المدرسة. في المدرسة علمونا كيف نقصقص الحكاية لتنحشر داخل القوالب المعدة مسبقا ولتصبح جوابا واحدا يقينيا قطعيا ينهض سدا أمام الوعي والتأمل.. ولكنهم لم يعلمونا فضيلة الأسئلة. أمضي أيامي وأنا في حالة هدم للأجوبة وبناء أسئلة طازجة مجلوة، وعندما اكتشف أن الأجوبة بدأ يعتريها بعض القدم والرثاثة أتخلص منها بدون أسف أو تردد بل بالعكس ببعض التشفي. من «نجد» تطايرت عباءة عجوز عابسة أسلمت «الطقس» لابنها الشبط مغامرة جديدة * كتبت "إذا ماغاب شخص عن محيطنا فإن اختفاءه يقع لأن دوره انتهى في ورطتنا الدرامية الكونية، وقد سرد جميع السطور الموجودة في أوراقه واختفى خلف الكواليس فهو يختفي ليتيح لشخصية أخرى الظهور".. كم عدد الأدوار التي توقفت في حياتك لأن شخصياتها انتهى دورها؟ أيمكن لشخصيات جديدة أن تحل محل شخصيات قديمة كنا نعود إليها ونثق بها؟ - التشبث بالأماكن أو الظروف أو الأشخاص، حتى بعد انتهاء سطور أدوارهم في الدراما الكونية الخاصة بنا، أجد به بعض الطفولة والضعف والانكماش عن القفز في مغامرة جديدة! التشبث بالماضي هو إعاقة للصيرورة القائمة على قانون التبدل والتغير والإحلال والإبدال. كازنتزاكي يقول "الدهشة هي أعظم أفراح البشرية" وأنا حينما أرفع سدا أو حاجزا في وجه تيار الحياة، وأخشى الجديد، كم مفاجأة دهشة سأجهضها؟ حينما يمر بنا تيار الزمن خاطفا لا بد أن نتعلق به ليطوف بنا على مشاهد طازجة ومواقع بكر، شرط ألا نجرجر وإيانا في هذه الرحلة أوراقنا وفواتيرنا البالية وقوائم أعدائنا ومخاوفنا القديمة. حصار * ليس هناك أصعب من قسوة تأتينا من القلوب التي كانت تعيش بداخلنا.. تدير ظهرها عن نبلنا وتمضي... لمن تقولين"ألم تشتق لي؟" ولماذا دائما نفكر بمدى استمرارية تأثيرنا في حياة الأشخاص الذين تنتهي علاقاتنا بهم؟ - ابتزاز الآخرين عبر مشاعرنا هو نوع من الاستبداد الناعم، من سيشتاق سيجلبه شوقه دون أن أدس له سطورا من معلقة طللية، وبعض العلاقات قد تتحول إلى حصار خانق، لا بد أن يكون هناك حيز مشجر بالشوق مخصب بتجربة حياتية مستقلة وثرية بشكل مرن لكل طرف ومن ثم من الممكن أن يتبادلا تفاصيلها بشوق عند المساء. سكاكين الظهر * ما هي الأخطاء التي لا يمكن أن تغتفر في العلاقات الإنسانية؟ وما هو عدد المرات التي سامحت بها وأنت تعلمين بأن في العفو والصفح تجاوزا لآلامك وتغافلا عن مساوئ الآخرين؟ - الحسد والدناءة وسكاكين الظهر من الصعب تجاوزها، لكن عندما تصادفني لا أجعلها محورا لحياتي بل أرثي لأصحابها التي اعتقلت أرواحهم في ظلماتها، وفي نفس الوقت أفر عن طاقاتهم السلبية التي من الممكن أن تقصيني عن رحلتي الكبرى. ولا أنزه نفسي فلست بمنجى من هذه المشاعر ولكنني أعترف بأنني بت قادرة على اقتناص تنكرها الماكر داخلي تحت شتى الذرائع أستطيع أن أقبض على نفسي وأنا في حالة غيرة فأهمهم بهدوء (ها سيدة أميمة هل ما ينتابك الآن ما يسمونه الغيرة)؟ فلا أخجل من تلك الأحاسيس وأعلم أنها أحد أشكال التعالق مع الحياة ولكن في شكلها البدائي جدا، فقط أطلب منها بلطف أن تجير طاقاتها لحسابي، يقول الفيلسوف (نيتشه) "أن الحسد والغل والرغبة في التميز هم المرجل الذي يحرك طاقات البشر إلى الأمام" ولكن يبقى كيف نحررها من طاقاتها السلبية بشكل لا نفقد معها قيمنا وإنسانيتنا، فقط نعترف بها ونتصالح معها لتصبح وقود عربة خيول نيرانية تأخذنا إلى أعلى، بدلا من أن نتركها تقرضنا بكلاليبها إلى حد الهلاك؟ المعادلة السرية * كتب محمد حسن علوان "كم هو الحب في الرياض عنيف أحيانا، لأنه مدفوع بالثورة على كبت متوارث، وكم هو خائف أيضا، لأن مصير الثورات التي لا تنجح هو الإعدام".. أحقا مدينة الرياض مدينة الجسور العالية التي لاتفهم عشاقها؟ أيمكن أن يكون للحب مدنه التي ترعاه حتى يكبر فيها وينمو؟ أين هي مدن الحب هذه؟ - البشر يحبون كجزء من مواجهة أزلية لا تتوقف مع الفناء، وهم يحبون كي يهتدوا إلى ينابيع الخلود والغبطة بأعماقهم، الحب هو المعادلة السرية التي تعالج أقفال مغارتهم الخاصة والحميمة، الحب هو أقوى ترياق تتوسله البشرية لحفظ السلالات، وهو إحدى الحقائق الكونية الكبرى فلن يستجدي بطاقة مرور من مدينة أو يتوسل دخول حيّ، فرابطته مع البشر عضوية ملازمة للعمران والتجمع البشري. لكنه يظل مشغولا بحفلة تنكرية كبرى يخوضها في ميادين المدن في بعض المدن قد يُفسح له إيوان ونوافير وأعياد وكرنفالات، وفي أخرى قد يتقلص وبالكاد تتسع له أبيات قصيدة، في كتاب سري لفتاة خجلى تتلمس أولى طفراته ولواعجه في صدرها. قلب واحد * غنى طلال مداح (تصدق وإلا احلفلك. عجزت بلساني أوصفلك. نعيم الحب في وصلك. وأنت كريم من أصلك. وشوف قلبي على يدي. وهوه أغلى ماعندي. وتبغى زيادة في حبي.. أجيب لك قلب ثاني منين).. لماذا لا يشبع المحبوب من الرغبة الدائمة في إثبات حالة الحب له؟ لمن قلت "أجيب لك قلب ثاني منين؟" - تأكدي قلب واحد سيقوم بالمهمة كما يجب، المهم أن يشرع كل غرفاته لاستقبال حشود الحب. مواجهة الغياب * ثمة فقد يشبه الخشب كلما ألقيت به في النار اشتعل، ثمة أوجاع كلما أدرنا القلب عنها. تألم وبكى. أي "فقد" عشت به ولم يخرج من قلبك حتى اليوم؟ أيمكن أن نشفى من أوجاعنا وخسائرنا بعد أن نراها تستيقظ بشكل دائم بالروح؟ - فقدي لأمي في سن مبكرة هو أول مواجهة مباشرة مع الغياب والفقد، حزن مصهور ثقيل أزرق ينقط على جدران القلب فلا تزول ندوبه أبدا، حزن يجعلنا نكبر ونهرم فجأة ونحن نتأمل حفرة الفناء، مع محاولة تجربة كل المسكنات التي اخترعتها البشرية لهذه المواجهة ولكنها تبقى ذات مفعول موقت وتظل حجرات القلب محتفظة بتلك الندوب رطبة. المرآة * حينما أقف أمام المرآة لا أفتش فيها عن أنوثتي. إنما أفتش فيها عن "عبير" أخشى أن أكون قد أضعتها هنا أو هناك.. حينما تنظرين في المرآة على ماذا تنظرين؟ ولماذا حينما نرتكب الأخطاء نتحاشى النظر في المرآة دوما وكأنها الضمير والجلاد؟ - هناك قصيدة مذهلة للشاعرة الأمريكية سيلفيا بلاث بعنوان المرآة تقول فيها أنا الآن بحيرة. امرأة تنحني فوقي، تبحث في أرجاء جسدي عما هي عليه حقيقةً. ثم تستدير نحو أولئك الكذابين، نحو الشموع أو نحو القمر. في قصيدة بلاث تقول ان المرآة فقط تعكس ما نبحث عنه في أعماقنا حتى ولو لم نود أن نشاهده، تعكس تجليات النفس الراضية المرضية وأحيانا احتدامات اللوامة، وعندما لا يعجبنا مانراه في المرآة فذلك بأنه لم يعجب أعماقنا، والمرآة ما هي إلا قطرة من فضة لا وعينا تخبرنا الذي يقوله لنا هذا اللاوعي طوال اليوم، ونأبى أن نصدقه. لذا لا نتوقع من المرآة كثيرا جل ما ستفعله بأنها ستكمل ما بدأه دماغنا هذا الصباح. المرأة * تضحك المرأة حينما تشعر بأن قلبها حي.. وتبكي حينما تكتشف بأنها خدعت. لماذا كل شيء يدور في المرأة متعلق بداخلها.. قلبها؟ أيمكن لكل تلك الهشاشة أن تكون خلف جمالها ورائحتها؟ - أتحفظ على أسئلة القوالب، وكأن هناك نموذجا نسويا ينطبق على جميع نساء الأرض، هذه القوالب تسلب من المرأة تعدد تجلياتها الإنسانية وتسجنها في نموذج أحادي يستجيب لتصورات الثقافة الذكورية حولها، فعندما نجمع نساء الأرض في سلة واحدة يتحولن إلى مقتنى أو شيء وليس إنسانا باحتمالات لامتناهية. التغير * من هي أميمة الخميس؟ أتعرفين أحدا يشبهها؟ كيف هو طعم قلبها؟ - عندما نُعرف (أمرا ما) هذا يعني بأنه وصل إلى صيغة نهائية ومقفلة من الاكتمال، بينما أشعر دوما بأنني في طور التشكل والتغير الأبدي... شيخوخة * أخشى دائما أن أكبر وأدخل في مسار الشيخوخة قبل أن أفعل كل ما أود أن أفعله، قبل أن أقطم خد الحب، قبل أن ألتهم كل الأيام ركضا تحت المطر، قبل أن أكتب ما أشتهي أن أقوله للناس. قبل أن أراقص الحلم بيد واحدة.. أتخشين الشيخوخة؟ - لا أخشاها هي بذاتها ولكن أخشى محتويات الصندوق الذي تجلبه معها، وأعراض عجيبة تخبرنا بها الصفحات الطبية في الصحف والمجلات، يوما ما قال كازنتزاكي العظيم وهو يحتضر في كتابه (تقرير إلى جريكو) (يجب أن نغادر الأرض ليس كعبيد ممزقين ومجلودين، بل كملوك ينهضون عن المائدة وهم ليسوا في حاجة إلى شيء) ولكن الشيخوخة مزاجها ضيق وغاضب ولا تود أن تخبرنا ما تريد بالضبط لكي نسايرها، نحقق لها ماتطلب لتكف عن مضايقتنا, لأنها ستبدأ بإرهاقنا وتختلس بريقنا وحيويتنا وخلايا أدمغتنا، أخاف الحرامي الذي ستجلبه الشيخوخة فهو الذي اختلس الذاكرة الذهبية لأبي وتركه في ملكوت البياض الفارغ، وهو الذي يختلس الآن ذاكرة الروائي ماركيز المحتدمة الطافحة بالغابات الاستوائية ويسلمه إلى متاهة الأبيض. المدن * ما الذي تودين أن تفعليه قبل أن تزورك الشيخوخة؟ - أن أزور المزيد من مدن العالم... كدولة (تشيلي) التي كتبت فيها إيزابيل الليندي أروع رواياتها. وشاية الكتابة * ما هو السر الذي لم تقوليه لأحد؟ - من يحترف الكتابة لا يكون عادة لديه الكثير من الأسرار، فأسطره ومؤلفاته هي بحالة وشاية متصلة عنه.