نحن لا نُشفى بفضل دواء الطبيب، ولا نأكل بفضّل عجين الخباز، ولا نبني منزلاً بفضل عمّال البناء، لكن كل ذلك الخير يحدث بفضل الرغبة التي يملكها هؤلاء الناس بدواخلهم -الأطباء والخبازون والجزارون- للارتقاء بمصالحهم الشخصية، وإن أولئك الذين ينادون دوماً لمصلحة العامة عادة ما يفشلون في ذلك. المصلحة العامة هي تجميع المصالح الشخصية لا شيء غير ذلك. بهذه الفرضية طرح الفيلسوف الأسكتلندي آدم سميث عام 1776 كتابه "ثروة الأمم" الذي يعتبر -رغم خلفية سميث الأكاديمية في تخصص الفلسفة الأخلاقية- مرجعاً اقتصادياً وتجارياً في شتى بقاع الأرض. يؤمن سميث بأن اليد الخفية للارتقاء بالأمم هي هذه (الرغبة) التي يمتلكها الأشخاص بدواخلهم إزاء مصالحهم الشخصية التي يقول عنها البروفيسور والفيلسوف المعاصر (samuel fleischacker) حري بها أن تكون اليوم "اليد الظاهرة"، حيث إننا سنكون بحال أفضل لو أن كلا منا عبر بصراحة عن مصلحته الشخصية فيما يفعل. الاقتصاد ليس جمارك وأرقاما وتجارة فحسب، وليس علما يجعل من الأمم تغتني وحسب، وليس عملا وتوظيفا ومالا فقط، إنما هو شيء أكبر بكثير، إنه فطرة إنسانية يمارسها الإنسان كل يوم.. هكذا ينظر سميث للاقتصاد. يرى (سميث) أن جميع المخلوقات الحية تتخلى عن مساعدة بني جنسها حين تكبر عدا الإنسان، فهو يزيد في شراكاته الاقتصادية مع الآخرين عن طريق التصدير والاستيراد معهم، البيع والشراء فيما بينهم، التوظيف والتعليم، وهكذا في جميع مستلزمات الإنسان الأساسية والكمالية لا بد أن ثمة وصلة اقتصادية. هذه الاقتصادات جعلتنا نتقاسم الأعمال فيما بيننا، وكلما كان التقسيم دقيقا أكثر كان الإنتاج أفضل نوعيا. لهذه الأسباب وغيرها كان (سميث) ملهما ومرجعا لـ(كارل ماركس) في صياغة آرائه حول الرأسمالية. يختلف مع (سميث) المحافظ (أدموند برك)، حيث إن الاقتصاد برأيه عملية مثلها مثل الإعلام والسياسة تحتاج عناية وتنظيما، والأهم من المصلحة الشخصية للأفراد هو توجيهم نحو المسار الذي يظن آخرون أنه الصحيح لهم. ولكن بعيدا عن الجدل حول تنظيم الاقتصاد أو تركه حرا؛ هل فعلا نجح النظام الرأسمالي العالمي في تحقيق الليبرالية الاقتصادية -خاصة لآدم سميث- التي لطالما ادعوا أنهم يتبعونها بل وادعىّ الرأسماليون أن (آدم سميث) والدهم الروحي؟ وإذا كانت الإجابة بنعم فلماذا أقلية من الرجال يتحكمون بثروات العالم أجمع رغم أن (سميث) أشار إلى وقف الاحتكار المالي جملة وتفصيلا؟ وإذا كانت الإجابة بلا فلماذا ما زال الاقتصاديون الأوروبيون يولون اهتماما كبيرا بدور الفرد للحد الذي يجعلهم يتمازحون قائلين: إذا أرسل مواطن ابنه لحضانة أهلية يزداد الناتج المحلي الإجمالي!.