شارف عام 2015 على النهاية.. عام فيه من الإبهار والعجائب ما يكفي لعقود من الزمن، سنة صعبة بمعنى الكلمة شهدت فيه مناطق مختلفة من العالم حوادث وأحداثًا أقل ما يقال عنها إنها آتية من زمن وكوكب آخر. سنة كان فيها المجد والشهرة لأباطرة السياسة الساخرة، ساسة وزعماء يعتقدون أنهم يبثون آراء جادة وواقع الأمر تحولوا إلى أداة سخرية وتهريج، فكان الظهور الكبير لشخصيات مثل دونالد ترامب وحسن نصر الله وغيرهما.. إنه زمن المسخ والمسخ الكبير. ليس هناك حدود للإبهار كما يبدو، فالجماعات الإرهابية المدججة بعباءات الدين (سواء أكانت مسلحة أم بلا سلاح) واصلت نشر أفكارها ودمارها وسفك الأرواح وغسل الأدمغة وتوزيع السموم ذات اليمين وذات اليسار.. كانت سنة مبهرة والإعلام يتحول إلى ساحات تصفية واغتيال فكري كامل لا فرق في ذلك بين الإعلامي التقليدي القديم أو الجديد؛ كلاهما سواء بحيث امتلأت الساحات بشلالات من التكفير والتخوين واللعن والسباب والقذف والتبلي بشكل أقل ما يمكن أن يقال عنه إنه موتور ومجنون تمامًا. سنة لم يكن العقل ولا الحكمة سيد الموقف بل الجنون والتعصب والتشدد والتنطع. قارة عظيمة مثل أوروبا تئن تحت طائلة الكساد الاقتصادي وتتصارع بين بعضها البعض على مسائل مبادئية مثل إيواء اللاجئين واستقبال المهاجرين ومساواة الأقليات المواطنة، وهي مسائل من المفروض نظريًا أن تكون قد قطعت فيها شوطًا كبيرًا منذ زمن بعيد، إلا أن عام 2015 أثبت أن ذلك كان من الآمال وليس من الواقع ليؤكد مرة أخرى وبشكل جديد، سنة جديدة فيها جنون الأسواق المالية والعملات والنفط، حراك موتور مقاوم لكل معايير العرض والطلب للتسلسل الطبيعي للسلع. سنة أجبرت الكثير من المحللين والمتابعين على إعادة «فهم» كل ما تم تقديره وتوقعه، ولكن الآن ومشارف 2016 على الأبواب قد يكون من المنطق إعادة النظر في قراءة 2016 ما إذا كانت «تكملة» للسنة المجنونة التي شارفت على الرحيل بما لها وما عليها، أم أن هناك المزيد من الدراما والإثارة السلبية، وخصوصًا أن هناك الكثير من المؤشرات التي توحي بذلك. سؤال منطقي. والصراع الذي تمر به المنطقة العربية بين عناصر مختلفة، تارة باسم الحرية وتارة أخرى باسم الاستقرار وتارات باسم الحكم باسم الله كان أكبر الضحايا فيها الشعوب التي تسيرها الشعارات البراقة اللافتة، فتنجر خلفها وتوظف بعد ذلك لمآرب أخرى ومختلفة تمامًا. الجهل والتطرف والفساد والأمية هي آفات أهم وأخطر من الكورونا والإيبولا وإنفلونزا الطيور ولكنها لا تلقى نفس الدرجة من الاهتمام ولا يوجد لقاح متوفر لها، وعليه تبقى المشكلة قائمة والآفة منتشرة. من الصعب توقع نقلة نوعية في العالم العربي في عام 2016، وخصوصًا في ظل ارتفاع معدلات «قبول» شخصيات التهريج السياسي وانتشارهم ووصولهم إلى زعامات أحزاب ومنابر مؤثرة، وعليه فغياب العقل قد يبقى قائمًا في ظل هيمنة المشاهد الساخرة فيغيب السياسي ويهيمن المهرج. سيرك السياسة منصوب في العالم العربي، وفي صراع الفيلة المستمر على كل شيء يبقى المثل الهندي العظيم قائمًا: عندما تتصارع الفيلة يموت العشب.